(11) مقدمة الطبعة الاولى لماذا وضعت هذا التفسير؟ كنت ولعا منذ أيام الصبا بتلاوة كتاب الله الاعظم، واستكشاف غوامضه واستجلاء معانيه. وجدير بالمسلم الصحيح، بل بكل مفكر من البشر أن يصرف عنايته إلى فهم القرآن، واستيضاح أسراره، واقتباس أنواره، لانه الكتاب الذي يضمن إصلاح البشر، ويتكفل بسعادتهم وإسعادهم. والقرآن مرجع اللغوي، ودليل النحوي، وحجة الفقيه، ومثل الاديب، وضالة الحكيم، ومرشد الواعظ، وهدف الخلقي، وعنه تؤخذ علوم الاجتماع والسياسة المدنية، وعليه تؤسس علوم الدين، ومن إرشاداته تكتشف أسرار الكون، ونواميس التكوين. والقرآن هو المعجزة الخالدة للدين الخالد، والنظام السامي الرفيع للشريعة السامية الرفيعة. أولعت منذ صباي بتلاوته، واستيضاح معانيه، واستظهار مراميه، فكان هذا الولع يشتد بي كلما استوضحت ناحية من نواحيه، واكتشفت سرا من أسراره، وكان هذا الولع الشديد باعثا قويا يضطرني إلى مراجعة كتب التفسير، وإلى سبر أغوارها. وهنا رأيت ما أدهشني وحيرني: رأيت صغارة الانسان في تفسيره وتفكيره أمام عظمة الله في قرآنه. رأيت نقص المخلوق في تناهيه وخضوعه أمام كمال الخالق في وجوبه وكبريائه.