(3) البحث عن العصمة من صميم الحياة إنّ البحث عن "العصمة" ليس بحثاً عن مسائل جانبيةٍ لا تمتُّ إلى الحياة الإنسانية، خصوصاً الجانب المعنوي فيها، فانّها من الأُمور التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالثقافة والحياة الإسلامية الحاضرة. فإنّ البحث في العصمة بحثٌ عمّا يضمن سلامة هذه الثقافة، واستقامتها، وبالتالي بحثٌ عمّا يضمن مطابقة حياتنا الحاضرة مع ما أنزله الله من تشريع، وما تركه نبيّه الكريم من سنّة. من هنا يكون من المحبَّذ الموَكَّد بل من اللازم الاِمعان في حياة الأنبياء وسيرتهم، والاِمعان في الآيات التي وردت في حقّهم، فهو بالاضافة إلى أنّه يعين على فهم حقيقة "العصمة"، ويوَكّد ارتباطها بسلامة الثقافة الإسلامية، امتثالاً لقوله سبحانه: (أَفَلا يَتَدبَّرُونَ القُرآن).(1) وقوله سبحانه: (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الاََلْباب).(2) فالنظرة الفاحصة إلى الآيات الورادة في شأن الأنبياء، وكذا القصص المذكورة حولهم على الوجه العام، والآيات التي ترجع إلى عصمتهم من الخطأ والزلل، والاِثم والعصيان بصورة خاصة يعتبر عبادة عمليةً يُثاب عليها المفكّر المتدبر فيها. غير أنّه للاَسف اتّخذ بعض الكتاب المتسرّعين موقفاً سلبياً في مقابل العلماء الذين بحثوا عن "العصمة" ضمن تفاسيرهم أو كتبهم الاعتقادية فقال ____________ 1 . النساء: 82. 2 . ص: 29. مستنكراً، ومتهجّماً عليهم: "ما سمعنا عن أحد من الصحابة أنّه ناقش النبي في كيف أكل آدم من الشجرة؟ وكيف عصى ربّه؟ ولا ناقشوا الرسولَ في غير آدم من الأنبياء على هذا المنحى الذي نحاه المتأخرون، ولا والله ما كان أُولئك الصحابة أقلَّ معرفةً لمكانة الأنبياء من أُولئك المتأخّرين، ولا أقلَّ احتراماً وإجلالاً لشأنهم من أُولئك المتكلّفين مالا يعنيهم، والداخلين فيما ليس من شوَونهم. وأمّا القلوب السقيمة فهي قلوب المتأخرين الذين فتح عليهم الشيطان باباً واسعاً من فنون الجدل، وكثرة القيل والقال، والمماحَكات اللفظية وأقوال أهل الكتاب من اليهود أشدّ الناس كراهيةً للاَنبياء، وتحقيراً لهم، ومشاقّة لهم، وكفراً بهم وتقتيلاً.(1) نحن لا نعلّق على هذا الكلام، لاَنّه كلام ساقط جداً، فانّ كاتباً يدّعي الإسلام وفي الوقت نفسه يصف علماء الإسلام ـ الذين أوكل الله إليهم قيادة الاَُمّة الإسلامية ـ بأنّهم ممّن تأثروا بفتنة الشيطان، وجعل التدبّر في آيات الكتاب العزيز من وحي الشيطان، انسان متناقض لا يستحق كلامه الردّ والنقد. والعجب أنّ هذا الكاتب (المجهول) استثنى من الفرق الإسلامية فرقةً واحدةً وُقُوا من كيد الشيطان ووساوسه وفتنته "وهم أهل الحديث المقتفون للاَثر، الذين جعلوا عقولهم وآراءهم تحت حكم ما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) استمساكاً بالعروة الوثقى والحبل المتين"(2)عزب عنه أنّ أحداً من المسلمين لا ____________ 1 . من مقدمة "عصمة الأنبياء" للرازي، بقلم كاتب مجهول الهوية، نشر دار المطبوعات الحديثة ـ جدّة. 2 . من المقدمة أيضاً. يعدل عن السنّة إلى غيرها بعد القرآن الكريم وأنّ إنكار السنّة إنكار لنبوة النبي الخاتم صلوات الله وسلامه عليه أبد الآبدين. غير أنّ الكلام هو في تشخيص (الصحيح) عن غيره، و(الموضوع) عمّا عداه، فانّ تاريخ الحديث يكشف عن أنّ الحديث وقع في مشاكل كثيرة، فهذه هي المجسمة والمشبّهة لله تعالى بخلقه، يستندون إلى هذه الاَحاديث المدوَّنة في الصحاح والسنن، والمسانيد. لا ذاكرة لكذوب !! والذي أظن أنّ هذه المقدمة كتبت لغاية خاصة وهي الحطُّ من مكانة أهل البيت النبويّ وأئمتهم الذين فرض الله تعالى على الناس محبّتهم ومودّتهم، وجعلها أجر الرسالة إذ قال: (قُلْ لا أَسأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي القُربى).(1) فانّ هذا الكاتب (المجهول) تارة يعرف اليهود بأنّهم أشدّ الناس كراهيةً للاَنبياء وتحقيراً لهم إلى آخر ما قال... ولازم ذلك التحقير أن لا يكون الأنبياء عندهم معصومين بل متهتكين لحرم الله . وتارة يُشبّه المقتفين لآثار أهل البيت، باليهود، لاَنّهم أثبتوا العصمة لاَئمتهم كما أثبت اليهود العصمة للاَنبياء تكريماً لهم، وتعظيماً لشأنهم. فما هذا التناقضُ الصريح بين الكلامين ياترى؟! فلو كان اليهود ـ كما وصفهم في العبارة الأولى ـ من أشدّ الناس عداوةً للاَنبياء وتحقيراً لهم، لما أثبتوا للاَنبياء العصمة التي هي من أعظم المواهب الاِلهية المفاضة للاِنسان. ولو كانت الشيعة كاليهود في القول بالعصمة فما معنى كون اليهود أشدّ الناس عداوة للاَنبياء؟! أضف إلى ذلك أنّه بأىّ دليل ينسب إلى اليهود القول بالعصمة بل هم ____________ 1 . الشورى: 23.