[ 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الإمام العالم محب الدين أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري رحمه الله تعالى، ورحم أسلافه بمحمد وآله وأصحابه وأنصاره: الحمد لله الذى وفقنا لحفظ كتابه، وأوقفنا على الجليل من حكمه وأحكامه وآدابه، وألهمنا تدبر معانيه ووجوه إعرابه، وعرفنا تفنن أساليبه من حقيقته ومجازه وإيجازه وإسهابه. أحمده على الاعتصام بأمتن أسبابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مؤمن بيوم حسابه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبرز في لسنه وفصل خطابه، ناظم حبل الحق بعد انقضابه، وجامع شمل الدين بعد انشعابه، صلى الله عليه وآله وأصحابه، ما استطار برق في أرجاء سحابه، واضطرب بحر بآذيه وعبابه. أما بعد: فإن أولى ما عنى باغى العلم بمراعاته، وأحق ما صرف العناية إلى معاناته. ما كان من العلوم أصلا لغيره منها، وحاكما عليها ولها فيما ينشأ من الاختلاف عنها، وذلك هو القرآن المجيد، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وهو المعجز الباقي على الأبد، والمودع أسرار المعاني التى لا تنفد، وحبل الله المتين، وحجته على الخلق أجمعين. فأول مبدوء به من ذلك تلقف ألفاظه عن حفاظه، ثم تلقى معانيه ممن يعانيه، وأقوم طريق يسلك في الوقوف على معناه، ويتوصل به إلى تبيين أغراضه ومغزاه، معرفة إعرابه واشتقاق مقاصده من أنحاء خطابه، والنظر في وجوه القرآن المنقولة عن الأئمة الأثبات. والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا، مختلفة ترتيبا وحدا، فمنها المختصر حجما وعلما، ومنها المطول بكثرة إعراب الظواهر، وخلط الإعراب بالمعاني، وقلما تجد فيها مختصر الحجم كثير العلم، فلما وجدتها على ما وصفت، أحببت أن أملى كتابا يصغر حجمه ويكثر علمه، أقتصر فيه على ذكر الإعراب ووجوه القراءات، فأتيت به على ذلك، والله أسأل أن يوفقني فيه لإصابة الصواب، وحسن القصد به بمنه وكرمه.