[57] وتترك آثارها فيه كما كانت عليه من حجم وهيئة وكيان في حياتها، وهذه هي الحفربات التي يعثر عليها علماء الجيولوجيا في بحثهم ودراستهم لطبقات الأرض، وهم يشبهون الصخور الرسوبية وما فيها من حفريات بأنها السطور التي كتبتها الأرض في سجل تاريخها الطويل الحافل بتطوراتها وتقلباتها، وهذا هو سفر التاريخ الاعظم الذي ما يزال علم الجيولوجيا يستمد منه الحقائق تلو الحقائق مع كل حفر وتعمق في البحث لاظهار معالم الحياة والاحياء في عهودها القديمة جدا، وهي عهود لها أزمان تقدر بالآف الملايين من السنين ولا يعرف مددها إلا الله الازلى الذي لا أول له ولا آخر. الكون كتاب مفتوح لكل قارئ له ومتدبر فيه إن الأرض التي يعيش عليها الإنسان وغيره من المخلوقات هي جزء ضئيل جدا في ملكوت الله، بل هي ذرة أول أو أقل في عالم الاكوان الذي هو مجموعات هائلة من مجرات هائلة ونجوم لا حصر لعددها ولا نهاية لامتدادها خلقها الله سبحانه بقدرته وإرادته، وأوجد فيها أنواعا شتى من مخلوقاته، ودبر أمورها تدبيرا محكما قائما على العدل والرحمة والاحسان والاتقان لأنه جل جلاله لم يخلقها عبثا بل أوجدها لحكمة عليا أرادها هي معرفة عباده له وواجب عبادته وحده. وقد شاء‌ت إرادة الله أن يجعل هذا الكون العجيب كتابا مفتوحا يقرأه كل من يتأمله ويتدبره بعين العقل والفكر والوجدان ليتضح أماما بصيرته ما فيه من روعة وجمال وبهاء وما أودعه الله في نظامه الدقيق من قوانين ونواميس تحكمة وتنظمه، وقد اجتهد في قراء‌ة صحف هذا الكتاب الكونى علماء مفكرون وباحثون ملهمون وخبراء متخصصون استطاعوا مع طول الدرس والبحث أن يكشفوا في عصورنا الحديثة عن كثير من أسرار الكون في ضوء