[55] جاء به النبى الامى محمد الذي لم يكن هو ولا قومه ولا عصره يعرف شيئا من فلك أو جيولوجيا أو كيمياء أو طب أو غير ذلك. وقد أدرك الناس مكانة العلم في القرآن الذي هو دستور الإسلام، من أن أول ما نزل من وحى السماء على النبى صلى الله عليه وسلم هو قوله تعالى:(اقرأ باسم ربك الذي خلق) ثم إنه سبحانه أقسم بأداة العلم وهي القلم في قوله تعالى:(ن والقلم وما يسطرون) فدين الإسلام وكتابه هو كنز العلوم التي حثنا القرآن في آياته مرارا على النظر إلى صنع الله في مخلوقاته والتأمل فيها والتفكير في خواصها وأسرارها والعلم بها. وإنه من الخطأ أن يتوهم الواهمون بأن العلم هو ما أتى به أهل الغرب، أو أنه علم العصور الذي يتطور من حين إلى حين، إذ الحقيقة أن علوم الدين الإسلامي هي نهاية العلم، وقد ثبت أن مبادئه وشرائعه منذ نزلت وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها هي خير المبادئ والشرائع لكل زمان ومكان. وأن الإسلام دين واحد لا يتعدد في نظمه ولا يتطور في أصوله، وليس هناك إسلام قديم يناسب عصره وإسلام جديد يتفق مع أهواء البشر وتقلباتهم. ويجب أن يؤمن كل مسلم بأن ما يجد في عصرنا من إدراك علمى لآيات القرآن ليس معناه أن حقائق القرآن تغيرت أو تطورت في ذاتها، وإنما الذي يتغير ويتطور هو عقل الإنسان الذي يتسع إذا استنار وفكره إذا استقام مع كثرة البحث والدرس والتجريب فيبدو له القرآن على حقيقته الاصلية الخالدة. لمحة في كوكبنا الارضى جاء‌ت في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن السماء والارض والنجوم والشمس والقمر، وعن ظاهرات اختلاف الليل والنهار وجريان الشمس وتكون السحب ونزول الامطار وكذلك ذكرت ما يوجد على الأرض من جبال وأنهار ونبات وأشجار وحيوان وحشرات، كما وردت آيات تبين خلق الإنسان وسلالاته وما يتعلق بحياته وجهاده وسعادته أو شقائه وذكرت غير ذلك كثيرا من شتى المخلوقات التي أوجدها لله في ملكه وحثنا على مشاهدتها والتدبر في روائعها. وقد اهتدى الإنسان بما وهبه الله من ملكات واستعدادات عقلية أن يعرف الكثير عن عالمنا الذي نعيش فيه واستطاع أن يكشف لنا عن أن الكرة الارضية لبثت زهاء عشرين مليونا من القرون بلا حياة ولا أحياء تدب عليها، وذلك خلال الازمنة والحقب الجيولوجية وقبل ظهور الحياة عليها. ولم يكن هناك على سطح الكرة الارضية وقتئذ سوى الصخور والمياه ولا شيء غير ذلك وفي تلك الازمنة السحيقة أخذت العوامل الجوية ولحركات والاضطرابات الباطنية تفتت الصخور ويترسب فتاتها على هيئة طبقات رسوبية يستقر بعضها فوق بعض على قيعان البحار والمحيطات كما تنتظم الصحف في الكتب ورقة فوق أخرى. وبعد هذا النوم العميق في حياة الكرة الارضية بدأت معالم الحياة ومواكبها تظهر في صور بدائية من عوالم الحشرات والنباتات والاشجار والغابات، وتغير وجه الأرض مرارا وصار عاليها سافلها تحت تأثير العوامل الجوية والحركات الباطنية فكانت الكائنات الحية من نبات وحيوان تنطمر في باطن الأرض،