[20] ( وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير). وكيف لا يكون معنا في الوقت الذي نعتمد عليه، ليس في إيجادنا فحسب بل في البقاء لحظة بلحظة ـ أيضاً ـ ونستمدّ منه العون، إنّه روح عالم الوجود، بل هو أعلى من ذلك وأسمى. فالله معنا في كلّ الحالات وفي كلّ الأوقات، فهو معنا يوم كنّا ذرّة تراب مهملة، وهو معنا يوم كنّا أجنّة في بطون اُمّهاتنا، وهو معنا طيلة عمرنا، وفي عالم البرزخ ... فهل بالإمكان ـ مع هذا ـ ألاّ يكون مطّلعاً علينا؟ الحقيقة أنّ الإحساس بأنّ الله معنا في كلّ مكان يعطي للإنسان عظمة وجلالا من جهة، ومن جهة اُخرى يخلق فيه إعتماداً على النفس وشجاعة وشهامة، ومن جهة ثالثة فإنّه يثير إحساساً شديداً بالمسؤولية، لأنّ الله حاضر معنا في كلّ مكان، وناظر ومراقب لأعمالنا، وهذا أكبر درس تربوي لنا. وهذا الإعتقاد يمثّل دافعاً جدّياً للتقوى والطهارة والعمل الصالح في الإنسان، ويعتبر رمز عظمته وعزّته. أجل: إنّ مسألة أنّ الله تعالى معنا دائماً وفي كلّ مكان هي حقيقة وليست كناية ومجازاً، حقيقة مقبولة للنفس ومربّية للروح، ومولّدة للخوف والمسؤولية. ولذا ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "إنّ من أفضل إيمان المرء أن يعلم أنّ الله تعالى معه حيث كان"(1). ونقرأ في حديث آخر أنّ موسى (عليه السلام) قال: "أين أجدك ياربّ، قال عزّوجلّ: ياموسى إذا قصدت إليّ فقد وصلت إليّ"(2). وفي الأساس فإنّ هذه (المعيّة) أي كون الله عزّوجلّ مع عباده، ظريفة ودقيقة بحيث أنّ كلّ إنسان مؤمن متفكّر يدركها بقدر فكره وإيمانه. وبعد مسألة الحاكمية والتدبير يأتي الحديث عن مسألة مالكيته سبحانه في ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ الدرّ المنثور، ج6، ص171. 2 ـ روح البيان، ج9، ص351.