[499] ثمّ يضيف سبحانه: (أفبهذا الحديث أنتم مدهنون) هل أنتم بهذا القرآن وبتلك الأوصاف المتقدّمة تتساهلون، بل تنكرونه وتستصغرونه في حين تشاهدون الأدلّة الصادقة والحقّة بوضوح، وينبغي لكم التسليم والقبول بكلام الله سبحانه بكلّ جديّة، والتعامل مع هذا الأمر كحقيقة لا مجال للشكّ فيها. عبارة "هذا الحديث" في الآية الكريمة إشارة للقرآن الكريم، و "مدهنون" في الأصل من مادّة (دهن) بالمعنى المتعارف عليه، ولأنّ الدهن يستعمل للبشرة واُمور اُخرى، فإنّ كلمة (أدهان) جاءت بمعنى المداراة والمرونة، وفي بعض الأحيان بمعنى الضعف وعدم التعامل بجدية ... ولأنّ المنافقين والكاذبين غالباً ما يتّصفون بالمداراة والمصانعة، لذا إستعمل هذا المصطلح أحياناً بمعنى التكذيب والإنكار، ويحتمل أن يكون المعنيان مقصودان في الآية. والأصل في الإنسان أن يتعامل بجديّة مع الشيء الذي يؤمن به، وإذا لم يتعامل معه بجديّة فهذا دليل على ضعف إيمانه به أو عدم تصديقه. وفي آخر آية ـ مورد البحث ـ يقول سبحانه إنّكم بدلا من أن تشكروا الله تعالى على نعمه ورزقه وخاصّة نعمة القرآن الكبيرة، فانّكم تكذّبون به: (وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون)(1). قال البعض: إنّ المقصود أنّ إستفادتكم من القرآن هي تكذيبكم فقط، أو أن التكذيب تجعلونه وسيلة لرزقكم ومعاشكم(2). إلاّ أنّ التّفسير الأوّل مناسب للآيات السابقة ولسبب النّزول أكثر من التّفسيرين الأخيرين. وإنسجاماً مع هذا الرأي فقد نقل كثير من المفسّرين عن ابن عبّاس قوله: ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ طبقاً لهذا التّفسير فإنّ كلمة (شكر) هنا محذوفة وتقديرها كالتالي: "وتجعلون شكر رزقكم أنّكم تكذّبون"، أو أنّ الرزق كناية عن (شكر الرزق). 2 ـ طبقاً لهذين التّفسيرين فلا يوجد شيء مقدّر.