[571] التّفسير الفرق بين الإسلام والإيمان: كان الكلام في الآية المتقدّمة على معيار القيم الإنسانية، أي التقوى، وحيث أنّ التقوى ثمرة لشجرة الإيمان، الإيمان النافذ في أعماق القلوب، ففي الآيتين الآنفتين بيان لحقيقة الإيمان إذ تقول الآية الأولى: (قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم). وطبقاً لمنطوق الآية فإنّ الفرق بين "الإسلام" و"الإيمان" في أنّ: الإسلام له شكل ظاهري قانوني، فمن تشهد بالشهادتين بلسانه فهو في زمرة المسلمين وتجري عليه أحكام المسلمين. أمّا الإيمان فهو أمر واقعي وباطني، ومكانه قلب الإنسان لا ما يجري على اللسان أو ما يبدو ظاهراً! الإسلام ربّما كان عن دوافع متعدّدة ومختلفة بما فيها الدوافع الماديّة والمنافع الشخصية، إلاّ أنّ الإيمان ينطلق من دافع معنوي، ويسترفد من منبع العلم، وهو الذي تظهر ثمرة التقوى اليانعة على غصن شجرته الباسقة! وهذا ما أشار إليه الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في تعبيره البليغ الرائع: "الإسلام علانية والإيمان في القلب"(1). كما إنّا نقرأ حديثاً آخر عن الإمام الصادق يقول فيه: الإسلام يحقن الدم وتؤدّى به الأمانة وتستحلُّ به الفروج والثواب على الإيمان(2). وربَّما كان لهذا السبب أنّ بعض الروايات تحصر مفهوم الإسلام بالإقرار اللفظي، في حين أنّ الإيمان إقرار باللسان وعمل بالأركان، إذ تقول الرواية "الإيمان إقرار وعمل، والإسلام إقرار بلا عمل"(3). وهذا المعنى نفسه وارد في تعبير آخر في بحث الإسلام والإيمان، يقول "فضيل بن يسار" سمعت الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: إنّ الإيمان يشارك الإسلام ولا يشاركه الإسلام، إنّ الإيمان ما وقر في القلوب والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء(4). وهذا التفاوت في المفهومين فيما إذا اجتمع اللفظان معاً، إلاّ أنّه إذا انفصل كلٌّ عن الآخر فربَّما أطلق الإسلام على ما يُطلق عليه بالإيمان، أي أنّ اللفظين قد يستعملان في معنى واحد أحياناً. ثمّ تضيف الآية محل البحث فتقول: (وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً) وسيوفّيكم ثواب أعمالكم بشكل كامل ولا ينقص منها شيئاً. وذلك لـ(انّ الله غفورٌ رحيم). (لا يلتكم) مشتقٌّ من "لَيت" على زنة (ريب) ومعناه الإنقاص من الحق(5). ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ مجمع البيان، ج9، ص138. 2 ـ الكافي، ج2، باب أنّ الإسلام يحقن به الدم، الحديثان 1، 2. 3 ـ المصدر السابق. 4 ـ أصول الكافي، ج2، باب أنّ الإيمان يشرّك الإسلام، الحديث 3. 5 ـ فعلى هذا يكون الفعل ليت أجوف يائياً وإن كان الفعل ولت بهذا المعنى أيضاً.