[558] 5 ـ علاج الغيبة والتوبة منها! إنّ الغيبة كسائر الصفات الذميمة تتحوّل تدريجاً إلى صورة مرض نفسي بحيث يلتذ المغتاب من فعله ويحس بالإغتباط والرضا عندما يريق ماء وجه فلان، وهذه مرتبة من مراتب المرض القلبي الخطير جداً. ومن هنا فينبغي على المغتاب أن يسعى إلى علاج البواعث الداخلية للإغتياب التي تكمن في أعماق روحه وتحضّه على هذا الذنب، من قبيل البخل والحسد والحقد والعداوة والإستعلاء والأنانية! فعليه أن يطهّر نفسه عن طريق بناء الشخصية والتفكير في العواقب السيئة لهذه الصفات الذميمة وما ينتج عنها من نتائج مشؤومة، ويغسل قلبه عن طريق الرياضة النفسية ليستطيع أن يحفظ لسانه من التلوّث بالغيبة. ثمّ يتوجّه إلى مقام التوبة، وحيث أنّ التوبة من الغيبة فيها "جنبة" حق الناس، فإنّ عليه إذا كان ممكناً ولا يحصل له أيّ مشكل أو معضل ـ أن يعتذر ممّن اغتابه حتى ولو بصورة مجملة أو معمّاة كأن يقول: إنّني أغتابك أحياناً لجهلي فسامحني واعفُ عني ولا يطيل في بيان الغيبة وشرحها لئلاّ يحدث عامل آخر للفساد أو الإفساد! وإذا لم يستطع الوصول إلى الطرف الآخر، أو لا يعرفه، أو أنّه مضى إلى ربّه فيستغفر له ويعمل صالحاً، فلعلّ الله يغفر له ببركة العمل الصالح ويرضي عنه الطرف الآخر. 6 ـ موارد الإستثناء! وآخر ما ينبغي ذكره في شأن الغيبة أنّ قانون الغيبة كأي قانون آخر له استثناءات، من جُملتها أنّه يتّفق أحياناً في مقام "الإستشارة" مثلاً لإنتخاب الزوج أو الشريك في الكسب وما إلى ذلك أن يسأل إنسان أنساناً آخر، فالأمانة في المشورة التي هي قانون إسلامي مسلّم به توجب أن تبيّن العيوب إن وجدت في الشخص الآخر لئلاّ يتورّط المسلم في مشكلة، فمثلُ هذا الإغتياب بمثل هذا القصد لا يكون حراماً. وكذلك في الموارد الأُخرى التي فيها أهداف مهمّة كهدف المشورة في العمل أو لإحقاق الحق أو التظلّم وما إلى ذلك. وبالطبع فإنّ "المتجاهر بالفسق" خارج عن موضوع الغيبة، ولو ذكر إثمه في غيابه فلا إثم على مغتابه، إلاّ أنّه ينبغي الإلتفات إلى أنّ هذا الحكم خاص بالذنب الذي يتجاهر به فحسب. وممّا يسترعي الإلتفات أيضاً هو أنّ الغيبة ليست حراماً فحسب، فالإستماع إليها حرام أيضاً، والحضور في مجلس الإغتياب حرام، بل يجب طبقاً لبعض الروايات أن يردّ على المغتاب، يعني أن يدافع عن أخيه المسلم الذي يراد إراقة ماء وجهه، وما أحسن مجتمعاً تُراعى فيه هذه الأُصول الأخلاقية بدقّة!. * * *