[551] بحوث 1 ـ الأمن الإجتماعيُّ الكامل! إنّ الأوامر أو التعليمات الستة الواردة في الآيتين آنفتي الذكر (النهي عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب وسوء الظن والتجسس والإغتياب) إذا نُفّذت في المجتمع فإنّ سمعة وكرامة الأفراد في ذلك المجتمع تكون مضمونة من جميع الجهات، فلا يستطيع أحد أن يسخر من الآخرين ـ على أنّه أفضل ـ ولا يمدّ لسانه باللمز، ولا يستطيع أن يهتك حرمتهم باستعمال الألقاب القبيحة ولا يحقّ له حتى أن يسيء الظن بهم، ولا يتجسس عن حياة الأفراد الخاصة ولا يكشف عيوبهم الخفية (باغتيابهم). وبتعبير آخر إنّ للإنسان رؤوس أموال أربعة ويجب أن تحفظ جميعاً في حصن هذا القانون وهي: "النفس والمال والناموس وماء الوجه". والتعابير الواردة في الآيتين محل البحث والروايات الإسلامية تدل على أنّ ماء وجه الأفراد كأنفسهم وأموالهم بل هو أهم من بعض الجهات. الإسلام يريد أن يحكم المجتمع أمن مطلق، ولا يكتفي بأن يكفّ الناس عن ضرب بعضهم بعضاً فحسب، بل أسمى من ذلك بأن يكونوا آمنين من ألسنتهم، بل وأرقى من ذلك أن يكونوا آمنين من تفكيرهم وظنّهم أيضاً.. وأن يُحسّ كلٌّ منهم أنّ الآخر لا يرشقه بنبال الإتهامات في منطقة أفكاره. وهذا الأمن في أعلى مستوى ولا يمكن تحقّقه إلاّ في مجتمع رسالي مؤمن. يقول النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الصدد: "إنّ الله حرّم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يُظنّ به السوء"(1). إنّ سوء الظن لا أنّه يؤثر على الطرف المقابل ويسقط حيثيّته فحسب، بل هو بلاء عظيم على صاحبه لأنّه يكون سبباً لإبعاده عن التعاون مع الناس ويخلق له عالماً من الوحشة والغربة والإنزواء كما ورد في حديث عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال: "من لم يحسن ظنّه استوحش من كلّ أحد"(2). وبتعبير آخر، إنّ ما يفصل حياة الإنسان عن الحيوان ويمنحها الحركة والرونق والتكامل هو روح التعاون الجماعي، ولا يتحقّق هذا الأمر إلاّ في صورة أن يكون الإعتماد على الناس (وحسن الظن بهم) حاكماً.. في حين أنّ سوء الظن يهدم قواعد هذا الإعتماد، وتنقطع به روابط التعاون، وتضعف به الروح الإجتماعية. وهكذا الحال في التجسس والغيبة أيضاً. إنّ سييء النظرة والظن يخافون من كلّ شيء ويستوحشون من كلّ أحد وتستولي على أنفسهم نظرة الخوف، فلا يستطيعون أن يقفوا على ولي ومؤنس يطوي الهموم، ولا يجدون شريكاً للنشاطات الإجتماعية، ولا معيناً ونصيراً ليوم الشدّة! ولا بأس بالإلتفات إلى هذه اللطيفة، وهي أنّ المراد من "الظن" هنا هو الظن الذي لا يستند إلى دليل، فعلى هذا إذا كان الظن في بعض الموارد مستنداً إلى دليل فهو ظنّ معتبر، وهو مستثنى من هذا الحكم، كالظن الحاصل من شهادة نفرين عادلين. ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ المحجّة البيضاء، ج5، ص268. 2 ـ غرر الحكم الصفحة 697.