[14] خلقهم للرحمة (ولذلك خلقهم)(1)، ولهذا فإنّ إعراضكم وعنادكم سوف لا يمنع لطفه مطلقاً، وينبغي أن لا يفتر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنون الحقيقيّون، فإنّ لهذا الإِعراض عن الحق واتباع الشهوات والهوى والميول تاريخاً طويلاً. لكن، ومن أجل أن لا يتصور هؤلاء بأنّ لطف الله اللامتناهي سيحول دون عقابهم في النهاية، لأنّ العقاب بنفسه من مقتضى حكمته، ولذلك يضيف في الآية التالية: (فأهلكنا أشدّ منهم بطشاً ومضى مثل الأوّلين). فالآية تخاطب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّنا سبق وأن ذكرنا لك نماذج كثيرة من هذه الأقوام العاصية الطاغية، وأوحينا إليك تفصيل حالهم بدون زيادة أو نقصان، وكان من بينهم أقوام أقوى وأشدّ من مشركي العرب كثيراً، ولهم إمكانيّات وثروات وأفراد وجيوش وإمكانات واسعة .. كفرعون وآل فرعون، والتاريخ، وأوضح من ذلك أن تتدبّروا ما نزل في القرآن في شأنهم لتعلموا أيّها الطغاة المعاندون أنّكم لستم في مأمن من عذاب الله الأليم أبداً. "البطش" ـ كما يقول الراغب في المفردات ـ بمعنى أخذ الشيء بالقوّة، وهنا اقترن بكلمة "أشدّ" وتعطي مفهوم شدّة القوّة والقدرة أكثر. والضمير في (منهم) يعود على مشركي العرب الذين خوطبوا في الآيات السابقة، إلاّ أنّهم ذكروا هنا بصيغة الغائب، لأنّهم ليسوا أهلاً للإستمرار في مخاطبتهم من قبل الله تعالى. واعتبر بعض كبار المفسّرين جملة (ومضى مثل الأوّلين) إشارة إلى المطالب التي جاءت في السورة السابقة ـ سورة الشورى ـ حول جماعة من هؤلاء. إلاّ أنّه لا دليل لدينا على هذا التحديد، خاصّة وأنّه قلّما أشير إلى حوادث الأُمم الماضية في سورة الشورى، في حين وردت بحوث مفصّلة حولهم في سور أُخرى من القرآن. ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ هود، الآية 119.