[ 555 ] خارقة تجعله لائقاً لخلافة الله، والذي سجدت له الملائكة بأجمعها فور إكتمال عملية خلقه (فسجد الملائكة كلّهم أجمعون). إلاّ أنّ إبليس كان الوحيد الذي أبى أن يسجد لآدم لتكبّره وتمرّده وطغيانه، ولهذا السبب أنزل من مقامه الرفيع إلى صفوف الكافرين: (إلاّ إبليس إستكبر وكان من الكافرين). نعم، فالتكبّر والغرور من أقبح الاُمور التي يبتلى بها الإنسان، إذ أنّهما يسدلان الستار على عينه وبصيرته، ويحرماه من إدراك الحقائق وفهمها، ويؤدّيان به إلى التمرّد والعصيان، ويخرجانه أيضاً من صفوف المؤمنين المطيعين لله إلى صفّ الكافرين الباغين والطاغين، ذلك الصفّ الذي يترأسه إبليس ويقف في مقدّمته. وهنا إستجوب الباريء عزّوجلّ إبليس: (قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) من البديهي أنّ عبارة (يدي) لا تعني الأيدي الحقيقيّة المحسوسة، لأنّ الباريء عزّوجلّ منزّه عن كافّة أشكال الجسم والتجسيم، وإنّما "اليد" هنا كناية عن القدرة، ومن الطبيعي أنّ الإنسان يستعمل يديه ليظهر قدرته على إنجاز العمل، وكثيراً ما تستخدم اليد بهذا المعنى في محادثاتنا اليومية، إذ يقال: إنّ البلد الفلاني بيد المجموعة الفلانية، أو إنّ المسجد الفلاني بني على يد الشخص الفلاني، وأحياناً يقال: إنّ يدي قصيرة، أو إنّ يدك مملوءة، اليد في كلّ تلك الجمل ليس المقصود منها اليد الحقيقية التي هي أحد أعضاء الجسم، بل كناية عن القدرة والسلطة والتمكّن. ومن هنا فإنّ الإنسان ينفّذ أعماله المهمّة بكلتا يديه، وإستخدامه كلتا يديه يبيّن إهتمامه وتعلّقه بذلك العمل، ومجيء هذه العبارة في الآية المذكورة أعلاه إنّما هو كناية عن الإهتمام الخاصّ الذي أولاه الباريء عزّوجلّ لعملية خلق الإنسان. ثمّ تضيف الآية: (استكبرت أم كنت من العالين) أي أكان عدم سجودك لأنّك استكبرت، أم كنت من الذين يعلو قدرهم عن أن يؤمروا بالسجود؟!