[476] يريد أن يصدّكم عمّا كان يعبد آباؤكم). فهذا أوّل ردّ فعل لهم إزاء "الآيات البيّنات" وهو السعي إلى تحريك حسّ العصبية في هؤلاء القوم المتعصّبين. خاصّة مع ملاحظة إستخدامهم تعبير "آباؤكم" بدل "آباؤنا"، يفهم منه أنّهم يريدون القول لقومهم بأنّ تراث الأجداد في خطر، وإنّ عليكم النهوض والتصدّي لهذا الرجل عن العبث بذلك الميراث. ثمّ تعبير (ما هذا إلاّ رجل) إنّما يقصد به تحقير النّبي (صلى الله عليه وآله) من جهتين الاُولى كلمة "هذا" والثّانية "رجل" بهيأة النكرة، مع العلم بأنّهم يعرفون النّبي (صلى الله عليه وآله) جيّداً، ويعلمون بأنّ له ماضياً مشرقاً. من الجدير بالملاحظة أيضاً أنّ القرآن وصف "الآيات" بـ "البيّنات"، أي أنّها تحمل دلائل حقّانيتها معها، وما هو قابل للمعاينة لا يحتاج إلى توضيح أو بيان. ثمّ توضّح الآية مقولتهم الثّانية التي قصدوا بها إبطال دعوة النّبي (صلى الله عليه وآله) فتقول: (وقالوا ما هذا إلاّ إفك مفترى). "إفك" كما ذكرنا سابقاً بمعنى كلّ مصروف عن وجهه الذي يحقّ أن يكون عليه، ومنه قيل للرياح العادلة عن المهابّ "مؤتفكة"، وأي صرف عن الحقّ في الإعتقاد إلى الباطل، ومن الصدق في المقال إلى الكذب، ومن الجميل في الفعل إلى القبيح. ولكن كما قال البعض، فإنّ "الإفك" يطلق على الأكاذيب الكبيرة. وكان يكفي إستخدامهم لكلمة "الإفك" في إتّهام الرّسول (صلى الله عليه وآله) بالكذب، لكنّهم أرادوا تأكيد ذلك المعنى بإستخدامهم لكلمة "مفترى"، دون أن يكون لهم أدنى دليل على ذلك الإدّعاء. وأخيراً، كان الإتّهام الثالث الذي ألصقوه بالرّسول (صلى الله عليه وآله) هو (السحر) كما نرى ذلك في آخر هذه الآية (وقال الذين كفروا للحقّ لمّا جاءهم إنّ هذا إلاّ سحر مبين). العجيب أنّ هؤلاء الضالّين يطلقون هذه التّهم الثلاث المذكورة بأصرح