[17] ثمّ تذكر أخيراً عقاب مثل هؤلاء الأفراد الأليم فتقول: (فبشّره بعذاب أليم). إنّ التعبير بـ (ولّى مستكبراً) إشارة إلى أنّ إعراضه لم يكن نابعاً من تضرّر مصالحه الدنيويّة والحدّ من رغباته وشهواته فحسب، بل إنّ الأمر أكبر من ذلك، فإنّ فيه دافع التكبّر أمام عظمة الله وآياته، وهو أعظم ذنب فيه. والرائع في تعبير الآية أنّها تقول أوّلا: إنّه لم يعبأ بآيات الله كأنّه لم يسمعها قطّ، ويمرّ عليها دون إكتراث بها، ثمّ تضيف: بل كأنّه أصمّ لا يسمع أيّ كلام قطّ! إنّ جزاء مثل هؤلاء الأفراد يناسب أعمالهم، فكما أنّ أعمالهم كانت مؤلمة ومؤذية لأهل الحقّ، فإنّ الله سبحانه قد جعل عقابهم وعذابهم أليماً أيضاً. وينبغي الإلتفات إلى أنّ تعبير (بشّر) في مورد العذاب الإلهي الأليم، يتناسب مع عمل المستكبرين الذين كانوا يتّخذون آيات الله هزواً، والتشبّه بصفات أبي جهل، حيث كانوا يفسّرون "زقّوم جهنّم" بالزبد والتمر! ثمّ تعود الآيات التالية إلى شرح وتبيان حال المؤمنين الحقيقيّين، وقد بدأت السورة في مقارنتها هذه بذكر حالهم أوّلا ثمّ ختمت به في نهاية هذا المقطع أيضاً، فتقول: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنّات النعيم). أجل، إنّ هذه الفئة على عكس المستكبرين والضالّين المضلّين الذين لا يرون آثار قدرة الله في عالم الوجود، ولا يصغون إلى كلام أنبياء الله. إنّ هؤلاء يؤمنون بحكم العقل الواعي، والعين البصيرة، والاُذن السامعة التي منحهم الله إيّاها، يؤمنون بآيات الله ويعملون بها صالحاً، فما أجدر أن يكون لاُولئك العذاب الأليم، ولهؤلاء جنّات النعيم! والأهمّ من ذلك أنّ هذه الجنان الوافرة النعم خالدة لهؤلاء (خالدين فيها وعد الله حقّاً) والله سبحانه لا يعد كذباً، وليس عاجزاً عن الوفاء بوعوده (وهو العزيز الحكيم). وثمّة مسألة تستحقّ الدقّة، وهي أنّه قد ورد العذاب في حقّ المستكبرين بصيغة