[472] أي أن محتوى هذا الكتاب العظيم الذي يدعو الى الحق والطهارة والعدل والتقوى، ونفي كل أنواع الشرك، يدلّ دلالة واضحة على أنّه لا شباهة له بأفكار الشياطين وما يلقونه. فالشياطين لا يصدر منهم إلاّ الشر والفساد، وهذا كتاب خير وصلاح، فالدقّة في محتواه تكشف عن أصالته. ثمّ إن الشياطين ليست لهم القدرة على ذلك (وما يستطيعون). فإذا كانت لهم القدرة فينبغي على سائر من كان في محيط نزول القرآن كالكهنة المرتبطين بالشياطين (أو على الأقل كان المشركون يُدّعون بأنّهم مرتبطون بالشياطين) أن يأتوا بمثل هذا القرآن، مع أنّهم عجزوا عن الإتيان بمثله، وهذا العجز أثبت أن القرآن فوق قدرتهم ومستوى بلاغتهم وأفكارهم!... ومضافاً إلى كل ذلك، فإن الكهنة أنفسهم كانوا يعترفون أنّهم بعد ولادة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) انقطعت علاقتهم بالشياطين الذين كانوا يأتونهم بأخبار السماء و (إنهم عن السمع لمعزوُلون). ويستفاد من سائر آيات القرآن أن الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء ويسترقون السمع من الملائكة، فينقلون ما يدور بين الملائكة من مطالب إلى أوليائهم، إلاّ أنّه بظهور نبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) وولادته انقطع استراق السمع تماماً، وزال الإرتباط الخبري بين الشياطين وأوليائهم... وهذا الأمر كان يعلم به المشركون أنفسهم، وعلى فرض أن المشركين كانوا لا يعلمون، فإن القرآن أخبرهم بذلك.(1) ولذا فقد جعله القرآن دليلا في الآيات الأنفة لدحض ما يتقوله الأعداء... وهكذا فقد أجاب القرآن على هذا الإِتهام من ثلاثة طرق: ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ لمزيد الإيضاح في منع الشياطين عن استراق السمع يراجع الجزء الأوّل من سيرة ابن هشام، ص 217 فما بعد.