[57] ومحرّماته، تجيش في النفس الإنسانية "مشاعر" خاصّة تربط الإنسان بالملأ الأعلى وتحلق به في أبعاد جديدة سامية... ومن هنا كانت تلك الأرض مشعراً. 3 ـ درس الوحده والاتحاد جاء في بعض الروايات الشريفة أن قبائل قريش كانت ترى لنفسها مكانة دينية خاصّة بين العرب، وكان أفرادها يسمّون أنفسهم "الحُمس"(1) ويرون أنّهم أبناء إبراهيم (عليه السلام) وسدنة الكعبة، ولذلك كانوا يترفّعون على بقية القبائل العربية. ومن هنا فإنهم تركوا الوقوف في عرفات لأنّها خارج الحرم المكّي، وما كانوا يودّون أن يحترموا أرضاً تقع خارج حرم مكّة، ظنّاً منهم أنّ ذلك يقلّل من شأنهم بين قبائل العرب، مع علمهم بأنّ الوقوف في عرفات من مناسك الحجّ الإبراهيمي(2). الآية الكريمة تبطل كلّ هذه الأوهام وتأمر بوقوف الحجّاج جميعاً في عرفات، ثمّ التحرك منها نحو المشعر الحرام، ومن ثمّ الإتجاه إلى مِنى دون أن يكون لأحد امتياز على آخر (ثمّ أفيضوا من حيث أفاض الناس). الإفاضة التي تأمر بها الآية هي الإفاضة من المشعر الحرام إلى مِنى، لأنّها جاءت بعد ذكر الإفاضة من عرفات إلى المشعر،ومسبوقة بـ "ثمّ" التي تفيد الترتّب الزماني، ويكون مدلول الآيتين معاً الأمر بالوقوف الجماعي بعرفات، ثمّ الإفاضة منها إلى المشعر الحرام، ومن ثمّ إلى مِنى. (واستغفروا الله). والأمر بالإستغفار في اختتام الآية حثّ على ترك تلك الأوهام والأفكار ________________________________________ 1 ـ الحُمس : هم الأفراد المتمسّكون بالدين. 2 ـ سيرة ابن هشام، ج 1، ص 211 و 212.