[8] والملفت للنظر أنّه ورد حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : "إنّما أنا بشر وإنّما يأتيني الخصم فلعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له فإن قضيت له بحق مُسلّم فإنّما هي قطعة من نار فليحملها أو ليذرها"(1) أي لا تتصوروا أنه من أمواله ويحل له أكله لأن رسول الله حكم له بهذا المال، بل هي قطعة من نار. * * * بحث وباء الرشوة : من الأوبئة الإجتماعية التي ابتلي بها البشر منذ أقدم العصور وباء الإرتشاء، وكانت هذه الظاهرة المرضيّة دوماً من موانع إقامة العدالة الإجتماعية ومن عوامل جرّ القوانين لصالح الطبقات المقتدرة، بينما سُنّت القوانين لصيانة مصالح الفئات الضعيفة من تطاول الفئات القوية عليهم. الأقوياء قادرون بما يمتلكونه من قوّة أن يدافعوا عن مصالحهم، بينما لا يملك الضعفاء إلاَّ أن يلوذوا بالقانون ليحميهم، ولا تتحقّق هذه الحماية في جوّ الإرتشاء، لأنّ القوانين ستصبح أُلعوبةً بيد القادرين على دفع الرشوة، وسيستمر الضعفاء يعانون من الظلم والإعتداء على حقوقهم. ولهذا شدّد الإسلام على مسألة الرشوة وأدانها وقبّحها واعتبرها من الكبائر، فهي تفتّت الكيان الإجتماعي، وتؤدي إلى تفشّي الظلم والفساد والتمييز بين الأفراد في المجتمع الإنساني، وتصادر العدالة من جميع مؤسّساته. جدير بالذكر أنّ قبح الرشوة قد يدفع بالراشين إلى أن يغطّوا رشوتهم بقناع من الأسماء الأُخرى كالهدية ونظائرها، ولكن هذه التغطية لا تغيّر من ماهيّة العمل شيئاً، والأموال المستحصلة عن هذا الطريق محرّمة غير مشروعة. وهذا "الأشعث بن قيس" يتوسّل بهذه الطريقة، فيبعث حلوى لذيذة إلى بيت ________________________________________ 1 ـ في ظلال القرآن، ج 1، ص 252.