[23] موسى ومعجزاته فلا يبعد أن يكونوا قد وقعوا تحت تأثيره) فإنّهم يعيدون إليهم المعنويات والقوّة، ويتعاملون في الظاهر مع أمثال هذه المسائل بصرامة وشدّة، ويثيرون الصخب حولها! إلاّ أنّ موسى لم يفقد هدوء أعصابه، ولم يدع للخوف من عنجهيّة فرعون إلى قلبه طريقاً، بل قال بحزم: (قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى)(1). إنّ التعبير بـ(يوم الزينة) إشارة إلى يوم عيد كان عندهم لا نستطيع تعيينه بدقّة، إلاّ أنّ المهمّ هو أنّ الناس كانوا يعطّلون أعمالهم فيه، وكانوا حتماً مستعدّين للمشاركة في مثل هذا "المشهد". على كلّ حال، فإنّ فرعون بعد مشاهدة معجزات موسى العجيبة، وتأثيرها النفسي في أنصاره، صمّم على مواجهة موسى (عليه السلام) بالإستعانة بالسّحرة، ولذلك وضع الإتّفاق المذكور مع موسى (فتولّى فرعون فجمع كيده ثمّ أتى). في هذه الجملة القصيرة تلخّصت حوادث جمّة جاءت بشكل مفصّل في سورتي الأعراف والشعراء، لأنّ فرعون بعد تركه ذلك المجلس ومفارقة موسى وهارون، عقد إجتماعات عديدة مع مستشاريه الخاصّين، وأتباعه المستكبرين، ثمّ دعا السّحرة من جميع أنحاء البلاد إلى الحضور في العاصمة، ورغّبهم بمرغّبات كثيرة من أجل مواجهة موسى (عليه السلام)، واُمور أُخرى ليس هنا مجال بحثها، إلاّ أنّ القرآن الكريم قد جمّعها كلّها في هذه الجمل الثلاث: (فتولّى فرعون، فجمع كيده، ثمّ أتى)(2). وأخيراً حلّ اليوم الموعود، ووقف موسى أمام جميع الحاضرين، الذين كان بعضهم السّحرة، وكان عددهم ـ على رأي بعض المفسّرين ـ إثنين وسبعين ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ "الضحى" في اللغة بمعنى زيادة أشعّة الشمس، أو إرتفاع الشمس، والواو في جملة (وأن يحشر الناس) دالّة على المعيّة. 2 ـ بالرغم من أنّ (تولّى) فسّرت هنا بالإفتراق عن موسى، أو عن ذلك المجلس، إلاّ أنّ من الممكن أن تعكس ـ مع ملاحظة معناها من الناحية اللغوية ـ حالة الإعتراض والغضب لدى فرعون. وموقفه المعادي تجاه موسى.