[18] جانباً مهمّاً من المواد الغذائية والملابس ووسائل الحياة، هي أيضاً من بركات هذه الأرض وذلك الماء النازل من السّماء. وفي النهاية، وبعد أن أشار إلى كلّ هذه النعم، قال: (إنّ في ذلك لآيات لاُولي النهى). ممّا يستحقّ الإنتباه أنّ "النهى" جمع "نهية" وهي في الأصل مأخوذة من مادّة "نهي" مقابل الأمر، وتعني العقل الذي ينهى الإنسان عن القبائح والسيّئات، وهذه إشارة إلى أنّ كلّ تدبّر وتفكّر من أجل فهم أهميّة هذه الآيات ليس كافياً، بل إنّ العقل والفكر المسؤول هو الذي يستطيع أن يدرك ويطلع على هذه الحقيقة. وبما أنّ هذه الآيات دلّلت على التوحيد بخلق الأرض ونعمها، فقد بيّنت مسألة المعاد بالإشارة إلى الأرض في آخر آية من هذه الآيات أيضاً فقالت: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أُخرى) وإنّه لتعبير بليغ حقّاً، ومختصر أيضاً، عن ماضي البشر وحاضره ومستقبله، فكلّنا قد جئنا من التراب، وكلّنا نرجع إلى التراب، ومنه نبعث مرّةً أُخرى! إنّ رجوعنا إلى التراب، أو بعثنا منه أمر واضح تماماً، لكن في كيفيّة بدايتنا من التراب تفسيران: الأوّل: إنّنا جميعاً من آدم وآدم من تراب. والآخر: إنّنا أنفسنا قد خلقنا من التراب، لأنّ كلّ المواد الغذائية التي كوّنت أجسام آبائنا واُمّهاتنا قد أخذت من هذا التراب. ثمّ إنّ هذا التعبير ينبّه كلّ العتاة المتمردّين، والمتّصفين بصفات فرعون، كي لا ينسوا من أين أتوا، وإلى أين يذهبون؟ فلماذا كلّ هذا الغرور والعصيان والطغيان من موجود كان بالأمس تراباً، وسيكون غداً تراباً أيضاً؟ * * *