[16] الأقوام المشركين الماضين، بمثل هذا العذاب؟ 2 ـ وقال بعض: إنّ موسى لمّا قال: إنّ ربّ العالم هو ربّ الجميع، سأل فرعون: فلماذا كان الأسلاف من قومنا وكلّ الأقوام الماضية مشركين؟ فهذا يبيّن أنّ الشرك وعبادة الأصنام ليس عملا خاطئاً! 3 ـ وقال آخرون: لمّا كان معنى كلام موسى هو أنّ الجميع سينال نتيجة أعماله في النهاية، وسيُعاقب أُولئك الذين عصوا الأوامر الإلهيّة، فسأل فرعون: فما هو مصير الأقوام الماضية الذين هلكوا واندثروا؟ على كلّ حال، أجابه موسى (عليه السلام) بقوله: (قال علمها عند ربّي في كتاب لا يضلّ ربّي ولا ينسى)(1) وبناءً على هذا فإنّ حساب هؤلاء وكتبهم محفوظة، وسينالون في النهاية ثواب وعقاب أعمالهم، فإنّ الحافظ لهذا الحساب هو الله الذي لا يخطىء ولا ينسى، وبملاحظة ما بيّنه موسى من أصل التوحيد والتعريف بالله، فإنّ من الواضح جدّاً أنّ حفظ هذا الحساب لدى من أعطى كلّ موجود حاجته بدقّة، ثمّ هداه ليس أمراً صعباً. وللمفسّرين آراء مختلفة في الفرق بين (لا يضلّ) و (لا ينسى) إلاّ أنّ الظاهر هو أن (لا يضلّ) إشارة إلى نفي أي نوع من الخطأ من قبل الله سبحانه، و (لا ينسى) إشارة إلى نفي النسيان، أي أنّه سبحانه لا يشتبه في حساب الأفراد عند بداية العمل، ولا يبتلى بنسيان حفظ حسابهم وأعمالهم، وعلى هذا فإنّ موسى قد نبّه بصورة ضمنيّة على إحاطة علم الله بكلّ شيء، لينتبه فرعون إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ أي شيء من عمله لا يخفى على الله وإن كان بمقدار رأس الإبرة، وسوف ينال عقابه أو ثوابه. في الحقيقة، إنّ الإحاطة العلمية لله هي نتيجة الكلام الذي قاله موسى من ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ لقد ذكر "كتاب" هنا بصيغة النكرة، وهذه إشارة إلى عظمة الكتاب الذي تثبت فيه أعمال العباد، كما نقرأ في آية أُخرى: (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها) الكهف ـ 49.