[7] لا شكّ أنّ الله تعالى يعلم عاقبة عمله، إلاّ أنّ التعبيرات المذكورة آنفاً درس لموسى وهارون وكلّ المصلحين والمرشدين إلى طريق الله(1). ومع هذه الحال، فقد كان موسى وهارون قلقين من أنّ هذا الرجل القوي المتغطرس المستكبر، الذي عمّ رعبه وخشونته كلّ مكان، قد يقدم على عمل قبل أن يبلّغ موسى (عليه السلام) وهارون (عليه السلام) الدعوة، ويهلكهما، لذلك (قالا ربّنا إنّنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى). "يفرط" من مادّة فرط ـ على وزن شرط ـ أي السبق والعجلة، ولذلك يقال للشخص الذي يردّ محلّ الماء أوّلا: فارط، ونقرأ في كلام الإمام علي (عليه السلام) أمّا قبور الموتى بجبانة الكوفة: "أنتم لنا فرط سابق"(2). على كلّ حال، فإنّ موسى وهارون كانا مشفقين من شيئين: فإمّا أن يقسو فرعون ويستخدم القوّة قبل أن يسمع كلامهما، أو أنّه يقدم على هذا العمل بعد سماعه هذا الكلام مباشرة، وكلتا الحالين تهدّد مهمّتهما بالخطر. إلاّ أنّ الله سبحانه قد أجابهما بحزم: فـ(قال لا تخافا إنّني معكما أسمع وأرى)وبناءً على هذا، فمع وجود الله القادر معكما في كلّ مكان، الله الذي يسمع كلّ شيء، ويرى كلّ شيء، وهو حاميكما وسندكما، فلا معنى للخوف والرعب. ثمّ يبيّن لهما بدقّة كيفية إلقاء دعوتهما في محضر فرعون في خمس جمل قصار قاطعة غنيّة المحتوى، ترتبط أوّلها بأصل المهمّة، والثّانية ببيان محتوى المهمّة، والثّالثة بذكر الدليل والسند، والرّابعة بترغيب الذين يقبلونها، وأخيراً فإنّ الخامسة تكفّلت بتهديد المعارضين. فتقول أوّلا: (فأتياه فقولا إنّا رسولا ربّك) والجميل هنا أنّهما بدل أن يقولا: (ربّنا) فإنّهما يقولان (ربّك) ليثيروا عواطف فرعون وإحساساته تجاه هذه النقطة ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ لقد بحثنا في معنى (لعلّ) وبأي معنى وردت في القرآن بصورة مفصّلة في ذيل الآية (84) من سورة النساء. 2 ـ نهج البلاغة، الكلمات القصار رقم 130.