[6] والفطري أو التهديد والترغيب، لذا فإنَّ كلمة "صرَّفنا" تناسب هذا التنوّع في هَذا المقام. القرآن الكريم يريد أن يقول: إنّنا سلكنا مُختلف الطرق، وَفتحنا مُختلف الأبواب مِن أجل أن ننير قلوب هؤلاء العميان بضياء التوحيد، ولكن مجموعة مِن هَؤلاء وصل بهم التعصب والعناد واللجاجة إلى درجة أنَّ كل هَذِهِ الوسائل لم تؤثر في جذبهم إلى الحقيقة، بل إنّها زادت في ابتعادهم ونفورهم. وَهُنا قد يطرح هَذا السؤال: إِذاً ما الفائدة مِن ذكر كلّ ذلك، إذا كانت النتائج. معكوسة؟ إِنَّ جواب هَذا السؤال واضح، إِذ أنَّ القرآن لم ينزل لفرد أو لمجموعة خاصّة، وَلكنَّه للمجتمع كافّة، وَطبيعي أن جميع الناس ليسوا على منوال المعاندين، إذ هُناك الكثير ممن يتبع طريق الحق إذا استبانت له أدلته مِن هَذا النوع مِن الأدلّة القرآنية، بالرغم من أنّها تؤدي بمجموعة أُخرى مِن فاقدي بصيرة القلب إِلى المزيد مِن العناد. إضافة إِلى أنَّ وجود هؤلاء المعاندين مفيد للمجموعة الأُخرى التي تقبل الحق وتَنصاع إليه، إذ يستبيّن من ينصاع للحق طريقة مِن خلال النظر إِلى سلوك المعاندين إذ أنّ تقابل الظّلمة والنّور يوضح قيمة النور أكثر (الأشياء تعرفُ بأضدادها) كما أن تعلم الأخلاق والآداب يمكن أن يتمّ ـ أحياناً ـ بتوسط عديمي الأدب والخلق. وهَذا في الواقع درسٌ مفيد في القضايا التربوية والتبليغية، إذ يُمكن أن نستفيد مِن هَذِهِ الآية ضرورة سلوك طرق مُختلفة وَوسائل مُتعدَّدة لتحقيق الأهداف التربوية المنشودة، حيث أنَّ الإِقتصار على طريق واحد يُخالف التنوع الكبير في أذواق الناس وَمؤهلاتهم، وَبالتالي يُجافي الطريق الصحيح الذي ينبغي أن يُتَّبع.