[455] بعد إِعطاء الأمر بأداء حق الأقرباء والمساكين حتى لا يقع الإِنسان تحت تأثير عاطفة القرابة أو الصداقة فيعطي لهذا المسكين أو ابن السبيل أو القريب أكثر ممّايستحق أو يتحمل، فيعتبر ذلك إِسرافاً وتبذيراً، وهما مذمومان دائماً. الآية التي بعدها هي لتأكيد النهي عن التبذير (إِنَّ المبذرين كانوا اخوان الشياطين، وكان الشيطان لربّه كفوراً). أمّا كيف كفر الشيطان بنعم ربِّه، فهذا واضح، لأنَّ اللّه أعطاه قدرةً وقوةً واستعداداً وذكاءاً خارقاً للعادة، ولكن الشيطان استفاد مِن هذه الأُمور في غير محلِّها، أي في طريق إِغواء الناس وإِبعادهم عن الصراط المستقيم. أما كون المبذرين إِخوان الشياطين، فذلك لأنّهم كفروا بنعم اللّه، إذ وضعوها في غير مواضعها. ثمّ إِنَّ استخدام "إِخوان" تعني أنَّ أعمالهم مُتطابقة ومتناسقة مع أعمال الشيطان، كالأخوين اللذين تكون أعمالهما مُتشابهة، أو أنّهم قرناء وجلساء للشيطان في الجحيم، كما توضح ذلك الآية (39) مِن سورة الزخوف بعد أن تشرك الشيطان والمذنب في العذاب: (ولن ينفعكم اليوم إِذ ظلمتم أنّكم في العذاب مُشتركون). أمّا لماذا جاءت كلمة شيطان هنا بصيغة الجمع "شياطين"؟ قد يعود ذلك إِلى أنّ لكل إِنسان غافل عن خالقه وربّه، شيطانٌ قرينٌ له، كما نرى هذا المعنى واضحاً في الآية (36) و (38) مِن الزخرف: (ومَن يعش عن ذكر الرحمن نقيض لُه شيطاناً فهو له قرين .. حتى إِذا جاءنا قالَ يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين). ثمّ أنّ الإِنسان قد لا يملك ما يعطيه للمسكين أحياناً، وفي هذه الحالة ترسم الآية الكريمة طريقة التصرُّف بالنحو الآتي: (إِمّا تعرضن عنهم ابتغاء رحمة مِن ربّك ترجوها فقل لهم قولا ميسوراً). "ميسور" مُشتقّة مِن "يسر" وهي بمعنى الراحة والسهولة، أمّا هنا فلها مفهوم واسع، يشمل كل كلام جميل وسلوك مقرون بالإِحترام والمحبّة، وإِذا فسَّرها