[53] والخداع والتآمر والقوى لتقدم أهدافه وتحريك الناس ضد موسى(عليه السلام)، ولم يترك في هذا السبيل أيّ نقطة نفسية بعيدة عن النظر، فتارةً كان يقول: إِنّ موسى (يريد أن يخرجكم من أرضكم).(1) وأُخرى كان يقول: (إِنّي أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد).(2) فيحرك مشاعرهم وأحاسيسهم المذهبيّة. وأحياناً كان يتهم موسى، وأُخرى كان يهدّده، وأحياناً يبرز قوّته وشوكته بوجه الناس في مصر، أو يدعي الدهاء في قيادته بما يضمن الخير والصلاح لهم. ويوم الحشر حين يأتي الناس عرصات القيامة فإنّ زعماؤهم وقادتهم في الدنيا هم الذين سيقودوهم هناك حين يُرى فرعون هناك: (يقدم قومه يوم القيامة) وبدلا من أن ينقذهم ويخلصهم من حرارة المحشر وعطشه يوصلهم الى جهنم (فأوردهم النّار وبئس الورد المورود) فبدلا من أن يسكَن عطش اتباعه هناك يحرق وجودهم وبدلا من الإِرواء يزيدهم ظمأ الى ظمأ. مع ملاحظة أنّ "الورود" في الأصل معناه التحرّك نحو الماء والإِقتراب منه، ولكن الكلمة أُطلقت لتشمل الدخول على كل شيء وتوسّع مفهومها. و"الورد" هو الماء يرده الإِنسان، وقد يأتي بمعنى الورود أيضاً. و"المورود" هو الماء الذي يورد عليه، فـ "هم" اسم مفعول، فعلى هذا يكون معنى الجملة بئس الورد والمورود(3) على النحو التالي: النّار بئس ماؤها ماءً حين يورد عليه. ويلزم ذكر هذه المسألة الدقيقة، وهي أنّ العالم بعد الموت ـ كما قلنا سابقاً ـ ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ الأعراف، 110. 2 ـ غافر، 22. 3 ـ هذا الجملة من حيث التركيب النحوي يكون إِعرابها كالتالي: "بئس" من أفعال الذم، وفاعله "الورد" و"المورود" صفة، والمخصوص بالذم "النار" التي حذفت من الجملة، واحتمل البعض أنّ المخصوص بالذم هو كلمة "المورود" فعلى هذا لم يحذف من الجملة شيء، إِلاّ أنّ الأوّل أقوى كما يبدو.