[39] الرشيد)هل كان كلاماً واقعياً من منطلق الإِيمان به، أم هو على سبيل الإِستهزاء والسخرية؟! احتمل المفسّرون الوجهين ولكن مع ملاحظة أسلوب سؤالهم (أصلاتك تأمرك) الذي يستبطن الإِستهزاء، يظهر أنّ هذه الجملة على نحو الإِستهزاء، وهي إِشارة إِلى أنّ الإِنسان الحليم الرشيد هو من لم يتعجل القول أو الرأي في أمر دون أن يسبر غوره ويعرف كنهه، والإنسان العاقل الرشيد هو من لم يسحق سنن قومه تحت رجليه ويسلب حريتهم في التصرف بأموالهم، فيظهر أنّك لم تسبر غور الأُمور وليس لديك عقل حصيف وفكر عميق، لأنّ الفكر العميق والعقل يوجبان على الإِنسان ألاّ يرفع يده عن طريقة السلف، ولا يسلب من الآخرين الإِختيار وحرية العمل. ولكن شعيباً ردّ على من اتّهمه بالسفه وقلّة العقل بكلام متين و (قال يا قوم أرأيتم إِنّ كنت على بينة من ربّي ورزقني منه رزقاً حسناً)(1). إنّه يريد أن يفهم قومه أنّ في عمله هذا هدفاً معنوياً وإِنسانياً وتربوياً، وأنّه يعرف حقائق لا يعرفها قومه، والإِنسان دائماً عدوّ ما جهل. ومن الطريف أنّه في هذه الآيات يكرر عبارة (يا قوم) وذلك ليُعبّىء عواطفهم لقبول الحق وليشعرهم بأنّهم منه وأنّه منهم، سواء أكان المقصود بالقوم القبيلة أو الطائفة أو الجماعة أو الأُسرة، أم كان المقصود الجماعة التي كان يعيش وسطهم ويُعدّ جزءاً منهم. ثمّ يضيف هذا النّبي العظيم قائلا: (وما أُريد أن أخالفكم إِلى ما أنهاكم عنه)فلا تتصوروا أنني أقول لكم لا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تنقصوا المكيال، وأنا أبخس الناس أو أنقص المكيال، أو أقول لكم لا تعبدوا الأوثان وأنا أفعل ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ ينبغي الإِلتفات إِلى أنّ جزاء الجملة الشرطية محذوف هنا وتقديره هكذا، أفأعدل مع ذلك عمّا أنا عليه من عبادته وتبليغ دينه.