[19] 3 ـ تعبير لوط (أليس منكم رجل رشيد) في آخر كلامه مع قومه المنحرفين يكشف عن هذه الحقيقة، وهي أنّ وجود رجل ـ ولو رجل واحد رشيد ـ بين قوم ما وقبيلة ما يكفي لردعهم من أعمالهم المخزية، أي لو كان فيكم رجل عاقل ذو لبّ ورشد لمّا قصدتم بيتي ابتغاء الإِعتداء على ضيفي! هذا التعبير يوضح بجلاء أثر "الرّجل الرّشيد" في قيادة المجتمعات الإِنسانية، وهو الواقع الذي وجدنا نماذج كثيرة منه على امتداد التاريخ. 4 ـ من العجيب أنّ هؤلاء القوم المنحرفين الضالين قالوا للوط: (ما لنا في بناتك من حق) وهذا التعبير كاشف عن غاية الإِنحراف في هذه الجماعة، أي أنّ مجتمعاً منحرفاً ملوثاً بلغ حدّاً من العمى بحيث يرى الباطل حقّاً والحقّ باطلا!! فالزواج من البنات المؤمنات الطاهرات لا يعدّ حقاً عندهم، وعلى العكس من ذلك يعدّ الإِنحراف الجنسي عندهم حقّاً. إِنّ الإِعتياد والتطبع على الإِثم والذنب يكون في مراحله النهائية والخطرة عندما يُتصور أنّ أسوأ الأعمال وأخزاها هي "حق عند صاحبها" وأنّ أنقى الإِستمتاع الجنسي وأطهره أمرٌ غير مشروع. 5 ـ ونقرأ في حديث للإِمام الصّادق(عليه السلام) في تفسير الآيات المتقدمة أنّ المقصود بالقوّة هو القائم من آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّ "الركن الشديد" هم أصحابه الذين عددهم (313) شخصاً(1). وقد تبدو هذه الرّواية عجيبة وغريبة إِذ كيف يمكن الإِعتقاد أنّ لوطاً كان يتمنّى ظهور مثل هذا الشخص مع أصحابه المشار إِليهم آنفاً. ولكن التعرف على الرّوايات الواردة في تفسير آيات القرآن حتى الآن يعطينا مثل هذا الدرس، وهو أنّ قانوناً كلياً يتجلى غالباً في مصداقه البارز، ففي الواقع إِنّ لوطاً كان يتمنّى أن يجد قوماً ورجالا لديهم تلك القدرة والقوّة الروحيّة ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ تفسير البرهان، ج 2، ص 228.