[579] لكم من إله غيره) . ولكي يحرك إحساسهم بمعرفة الحق أشار إلى عدد من نعم الله المهمّة التي استوعبت جميع وجودهم فقال : (هو انشأكم من الأرض) . فأين هذه الأرض والتراب الذي لا قيمة له ، وأين هذا الوجود العالي والخلقة البديعة ؟ ترى هل يجيز العقل أن يترك الإنسان خالقه العظيم الذي لديه هذه القدرة العظيمة وهو واهب هذه النعم ، ثمّ يمضي إلى عبادة الأوثان التي تثير السخرية . ثمّ يُذكّر هؤلاء المعاندين بعد أن أشار إلى نعمة الخلقة بنعم أُخرى موجودة في الأرض حيث قال : (واستعمركم فيها) . وأصل "الإستعمار" و "الإعمار" في اللغة يعني تفويض عمارة الأرض لأي كان، وطبيعي أنّ لازم ذلك يجعل الوسائل والأسباب في اختيار من يفوّض إليه ذلك تحت تصرفه! هذا ما قاله أرباب اللغة ، كالراغب في المفردات ، وكثير من المفسّرين في تفسير الآية المتقدمة . ويَرِدُ احتمال آخر ، وهو أنّ الله منحكم عمراً طويلاً في هذه الأرض ، وبديهي أنّ المعنى الأوّل وبملاحظة مصادر اللغة هو الأقرب والأصح كما يبدو . وعلى كل حال فهذا الموضوع يصدق بمعنييه في ثمود ، حيث كانت لديهم أراض خصبة وخضراء ومزارع كثيرة الخيرات والبركات ، وكانوا يبذلون في الزراعة ابتكارات وقدرات واسعة ، وإلى ذلك كله كانت أعمارهم مديدة وأجسامهم قويّة وكانوا متطورين في بناء المساكن والبيوت ، كما يقول القرآن الكريم : (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين)(1). الطريف هنا أنّ القرآن لم يقل : إنّ الله عمر الأرض وجعلها تحت تصرفكم، ــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الحجر، 82.