[589] الحفاظ على أمن الوطن الذي يتمتعون بالحياة فيه. ثمّ إن سقوط الجزية عن الأطفال والشيوخ والمقعدين والنساء والعُمي، دليل آخر على هذا الموضوع. ممّا ذكرناه يتّضح أن الجزية إعانة مالية فحسب، يقدمها أهل الكتاب إزاء ما يتحمله المسلمون من مسؤولية في الحفاظ عليهم وعلى أموالهم. فبناء على ذلك فإنّ من يزعم أنّ الجزية نوع من أنواع حق التسخير، لم يلتفت إِلى روحها وحكمتها وفلسفتها، وهي أن أهل الكتاب متى دخلوا في أهل الذمة فإنّ الحكومة الإِسلامية يجب عليها أن ترعاهم وتحافظ عليهم وتمنعهم من كل أذى أو سوء. وهكذا فإنّ أهل الذمة عند دفعهم الجزية، بالإِضافة إِلى التمتع بالحياة مع المسلمين في راحه وأمان فليس عليهم أي تعهد من المسامهة في القتال مع المسلمين وفي جميع الأُمور الدفاعية ـ ويتّضح أن مسؤوليتهم إزاء الحكومة الإِسلامية أقل من المسلمين بمراتب. أي أنّهم يتمتعون بجيمع المزايا في الحكومة الإِسلامية بدفعهم مبلغاً ضئيلا، ويكونون سواءً هم والمسلمون. في حين أنّهم لا يواجهون الأخطار ومشاكل الحرب. ومن الإدلة التي تؤيد فلسفة هذا الموضوع، أنّه في المعاهدات التي كانت ـ في صدر الإِسلام بين المسلمين وأهل الكتاب في شأن الجزية، تصريح بأنّ على أهل الكتاب أن يدفعوا الجزية، وفي قبال ذلك على المسلمين أن يمنعوهم (أي يحفظوهم) وأن يدافعوا عنهم اذا داهمهم العدو الخارجي. وهذه المعاهدات كثيرة، ونورد مثلا منها، وهي المعاهدة التي تمت بين خالد بن الوليد مع المسيحيين الذين كانوا يقطنون حول "الفرات":