[9] الألبسة قد تغيرت وتنوعت تنوعاً بالغاً عبر الزمن، فقد كانت الثياب تلبس فيما سبق ـ و في الأغلب ـ لأجل حفظ الجسم من الحرّ و القرّ وكذا للزينة والتجمل، والجانب الوقائي كان يأتي في الدرجة اللاحقة، ولكن في ظل الحياة الصناعية الحاضرة أصبح الجانب الوقائي في المرتبة الأُولى من الأهمية في كثير من الحقول، فرجال الفضاء ورجال الإطفاء، وعمال المعادن والمناجم والغواصون، وغيرهم كثيرون، يستخدمون ألبسة خاصّة لوقاية أنفسهم من مختلف الأخطار. لقد تطورت وسائل إنتاج الألبسة والثياب في عصرنا الراهن تطوراً هائلا، واتسع نطاقها اتساعاً كبيراً، بحيث أصبح لا يقاس بما مضى. يقول كاتب تفسير المنار في المجلد الثّامن عند تفسير الآية المبحوثة هنا: "لقد بلغ من إتقان صناعات اللباس أنّ عاهل ألمانية الأخير (قيصرها) دخل مرّة أحد معامل الثياب ليشاهد ماوصلت إليه من الإتقان، فجزوا أمامه عند دخوله صوف بعض كباش الغنم، ولما انتهى من التجوال في المعمل ومشاهدة أنواع العمل فيه، وأراد الخروج قدّموا له معطفاً ليلبسه تذكاراً لهذه الزيارة، وأخبروه أنّه صنع من الصوف الذي جزوه أمامه عند دخوله، فهم قد نظفوه في الآلات المنظِّفة، فغزلوه بآلات الغزل، فنسجوه بآلات النسج، ففصَّلوه فخاطوه في تلك الفترة القصيرة، فانتقل في ساعة أو ساعتين من ظهر الخروف إلى ظهر الإمبراطور".(1) ولكن ـ للأسف ـ قد اتسعت الجوانب الفرعية، بل وغير المحمودة والفاضحة للثياب والألبسة و تعددت كثيراً إلى درجة أنّها غطت على الفلسفة الأصلية للباس. لقد أصبح اللباس ـ اليوم ـ وسيلة لأنواع التظاهر، وإشاعة الفساد، وتحريك الشهوات، والتكبر والإسراف والتبذير، وما شابه ذلك. حتى أنّنا ربّما نشاهد ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ المنار، ج8، ص 359.