/صفحة 31 / إنما تصح - لو صحت - في الآراء النظرية والاعتقادات الفكرية وأما فيما يرى ويشاهد عيانا فلا معنى للمماراة والمجادلة فيه، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما كان يخبرهم بما يشاهده عيانا لا عن فكر وتعقل. قوله تعالى: " أفتمارونه على ما يرى " الاستفهام للتوبيخ والخطاب للمشركين والضمير للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمماراة الاصرار على المجادلة، والمعنى: أفتصرون في جدالكم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذعن بخلاف ما يدعيه ويخبركم به وهو يشاهد ذلك عيانا. قوله تعالى: " ولقد رآه نزلة أخرى " النزلة بناء مرة من النزول فمعناه نزول واحد، وتدل الآية على أن هذه قصة رؤية في نزول آخر والآيات السابقة تقص نزولا آخر غيره. وقد قالوا: إن ضمير الفاعل المستكن في قوله " رآه " للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وضمير المفعول لجبريل، وعلى هذا فالنزلة نزول جبريل عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعرج به إلى السماوات، وقوله: " عند سدرة المنتهى " ظرف للرؤية لا للنزلة، والمراد برؤيته رؤيته وهو في صورته الاصليه. والمعنى: أنه نزل عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) نزلة اخرى وعرج به إلى السماوات وتراءى له (صلى الله عليه وآله وسلم) عند سدرة المنتهى وهو في صورته الاصلية. وقد ظهر مما تقدم صحة إرجاع ضمير المفعول إليه تعالى والمراد بالرؤية رؤية القلب والمراد بنزلة اخرى نزلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند سدرة المنتهى في عروجه إلى السماوات فالمفاد أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل نزلة اخرى أثناء معراجه عند سدرة المنتهى فرآه بقلبه كما رآه في النزلة الاولى. قوله تعالى: " عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى " السدر شجر معروف والتاء للوحدة والمنتهى كأنه - اسم مكان ولعل المراد به منتهى السماوات بدليل كون الجنة عندها والجنة في السماء، قال تعالى: " وفي السماء رزقكم وما توعدون " الذاريات: 22. ولا يوجد في كلامه تعالى ما يفسر هذه الشجرة، وكأن البناء على الابهام كما يؤيده قوله بعد: " إذ يغشى السدرة ما يغشى " وقد فسر في الروايات أيضا بأنها شجرة فوق السماء السابعة إليها تنتهي أعمال بني آدم وستمر ببعض هذه الروايات. وقوله: " عندها جنة المأوى " أي الجنة التي يأوي إليها المؤمنون وهي جنة الآخرة فإن جنة البرزخ جنة معجلة محدودة بالبعث، قال تعالى: " فلهم جنات المأوى