[ 439 ] وعليه فإنّ البكاء والحزن على فقد الأحبّة يعد أمراً طبيعياً وإنسانياً. فالمهم هو أنّ الإنسان لا يسلك في المصيبة في خطّ الجزع والشكوى وعدم الشكر ويتكلّم بكلمات لا تنسجم مع الإيمان والعبودية لله تعالى والرضا بقضائه، وفي هذا المجال نقرأ حديثاً عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يقول : "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ وَشَقَّ الجُيُوبَ وَدَعا بِدَعْوَىَ الجَاهِليَّةِ"(1). وقد ورد في سيرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) انه عندما توفي ولده إبراهيم (عليه السلام) بكى النبي (صلى الله عليه وآله)عليه بحيث جرت دموعه على خديه وصدره الشريف فقالوا : يا رسول الله أنت تنهانا عن البكاء ولكنك تبكي لوفاة إبراهيم ؟ فقال "لَيْسَ هَذَا بُكاءً وَاِنّ هَذِهِ رَحْمَةٌ وَمَن لَم يَرحَمْ لا يُرْحَمُ"(2). أي هذا نوع من إظهار المحبة والرحمة الصادرة من العاطفة الإنسانية الّتي يعيشها الإنسان الواقعي. وقد ورد هذا الموضوع بتفصيل أكثر في كتاب "بحار الأنوار" حيث ذكر المجلسي أنّه عندما اتى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه فوضعه في حجره فقال له: يا بني أنّي لا أملك لك من الله شيئاً وذرفت عيناه، فقال له عبدالرحمن: يا رسول الله تبكي أو لم تنه عن البكاء، قال: إنّما نهيت عن النوح عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نعم لعب ولهو ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنّة شيطان إنّما هذه رحمة، من لا يرحم لا يرحم، لولا أنّه أمر حقّ ووعد صدق وسبيل بالله وأن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزناً أشد من هذا وأنا بك لمحزونون"، "وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ تَبْكِيَ الْعَينُ وَيَدْمَعُ الْقَلْبُ وَلا نَقولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ عَزَّوَجَلَّ"(3). وأحياناً يمكن أن يفقد الإنسان انضباطه وإلتزامه ويشق جيبه ويخمش وجهه ولكن كلّ ذلك يكون بالمقدار المعقول والطبيعي لغرض إيجاد الهيجان العام وتعبئة العواطف 1. بحار الأنوار، ج 85، ص 93. 2. أمالي الطوسي، ص 388. 3. بحار الأنوار، ج 79، ص 90.