[ 410 ] شخص آخر تتوفر فيه هذه الصفات الثلاثة : أن يقوم في كلّ ليلة بالعبادة والصلاة، وأن يصوم كلّ يوم، وأن يحكم بين الناس دون أن يغضب، فقال شابٌ من المؤمنين : أنا أتكفل بكلّ هذه الاُمور، قال ذلك واستمر على الوفاء بعهده والاتيان بهذه الثلاثة (مع جميع ما تتضمنها من مشاكل وصعوبات) وبذلك نال مقام النبي أيضاً فسُمي : ذي الكفل. أجل، فإنّ هؤلاء العظماء الثلاثة كانوا اسطورة للصبر والاستقامة بحيث إنّ القرآن الكريم جعلهم اُسوة لجميع المسلمين في العالم وأشار إليهم بذلك في هذه الآية الكريمة. -- وتتعرض "الآية الرابعة" إلى الحديث عن "قصة موسى (عليه السلام)والخضر(عليه السلام)" ونقرأ في هذه القصة دروساً وعبراً مهمة ونافعة حيث جاء موسى (عليه السلام) إلى الخضر (عليه السلام) لطلب العلم وسأله أن يعلمه من العلوم والأسرار الإلهية، لأن هذه العلوم والأسرار هي غير "علم الشريعة" الّذي تلقاه موسى (عليه السلام) بطريق الوحي وكان على اطلاع عام به، ولكنَّ تلك العلوم والمعارف متعلقة بأسرار عالم التكوين والحوادث الواقعة في عالم الوجود، ولكن على أية حال فإنّ الخضر (عليه السلام) كان قلقاً من عدم تحمل موسى (عليه السلام) بهذه العلوم والمعارف وقال له كما تذكر الآية (قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)(1). فكان أن وعد موسى (عليه السلام) معلمه بأن يصبر ويتريث ولا يعترض على شيء، ولكن الحوادث والوقائع الّتي رآها فيما بعد كانت عجيبة وغريبة إلى درجة أنّ موسى (عليه السلام) لم يطق صبراً إلى أن يخبره الخضر (عليه السلام) عن أسرارها، وفتح فمه بالاعتراض على معلمه، فما كان من الخضر (عليه السلام) إلاّ أن ذكره بوعده بالصبر والتريث، فاعتذر موسى (عليه السلام) بذلك ولكنه في المرّة الثالثة قرر الانفصال إلى الأبد. وهذه القصة العجيبة تتضمن دروساً ومعارف كثيرة، ولكن ما يرتبط ببحثنا هذا هو أنّ موسى (عليه السلام) لو صبر أكثر ولم يعترض على الخضر (عليه السلام) لكان يكتشف أسراراً جديدة ويزداد علماً إلى علمه، ولكن عدم صبره هذا تسبب بأن لا يتعلم سوى ثلاثة اُمور فقط، في حين انه 1. سورة الكهف، الآية 67 و 68.