[ 15 ] ثيابهم على رؤوسهم لكي لا يصل إليهم صوت نوح ويتأثروا بهذا الكلام الإلهي الصادر من أعماق الفطرة الإنسانية، فهذا العداء وهذه الكراهية لكلام الحقّ ليس لها مسوّغ ودافع سوى حالة التكبّر الشديد الّذي كان يعيشه هؤلاء القوم الظالمون. هؤلاء كانوا يتعرضون لنوح ودعوته ويتساءلون من موقع الاعتراض أنّ نوح كان يحيط به الأراذل من الناس والفقراء والمساكين وأبناء الطبقات الضعيفة من المجتمع، فلذلك قرروا عدم الاقتراب من نوح والجلوس معه ما دام هؤلاء الأراذل والضعفاء بحسب تعبيرهم مع نوح. أجل فإنّ التكبّر والأنانية العجيبة الّتي كان يعيشها هؤلاء الناس كانت قد أحرقت الفضائل الأخلاقية في واقعهم وحوّلتها إلى رماد. وفي الحقيقة فإنّ هذه الرذيلة الأخلاقية وهي التكبّر تعدّ عاملاً أساسياً لعنادهم وإصرارهم على الكفر إلى درجة أنّهم كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم ويغطّون رؤوسهم بثيابهم خوفاً من تأثير كلام نوح في أنفسهم. ومن الملفت للنظر أنّ هذا العمل إنّما يدلّ على أنّهم كانوا يعترفون في قرارة أنفسهم بحقّانية دعوة نوح ويعتقدون به ويدل على ذلك وضعهم أصابعهم في آذانهم وتغطيتهم رؤوسهم بثيابهم. ويُحتمل أيضاً أنّهم كانوا يغطون رؤوسهم بثيابهم لكيلا يروا نوح ولا يراهم نوح فلعلّ رؤيتهم له توجب الأُنس به والرغبة والميل لسماع كلماته. وأخيراً فإنّ حالة العجب والغرور ورّثتهم الجهل وعدم سماع انذارات نوح(عليه السلام) في آخر لحظات العمر حيث كانت هناك فرصة للنجاة فلم يكونوا يحتملون صدقه في هذا الانذار لذلك عندما كان نوح(عليه السلام) يصنع السفينة فإنّ هؤلاء القوم الظالمين كانوا يمرّون عليه ويهزءون به ويسخرون منه ولكن نوح كان قد حذّرهم بقوله: (...اِنْ تَسْخَرُوا مِنّا فَاِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)(1)، ولكن في ذلك اليوم سوف لا تكون لكم فرصة للتنبّه حيث تحيط 1. سورة هود، الآية 38.