بعض الأصحاب في رده يلزم أن تكون إرادة في الشاهد هكذا إذ ما ثبت للحقيقة في موضع لا يتخلف عنها أين وجدت وحقيقة الإرادة لا تختلف شاهدا وغائبا فإن استغنت عن المحل غائبا وجب أن تكون مستغنية عنه شاهدا وهو محال وهذا إنما يستقيم أن لو سلم اتحاد حقيقة الإرادة شاهدا وغائبا ولعل الخصم قد يجعل نسبة الإرادة غائبا إلى الأرادة شاهدا على نحو النسبة الواقعة بين الذات الواجبة غائبا والذوات الموجودة شاهدا وإذ ذاك فالإلزام يكون به منقطعا لا بما قيل من إنكار وجود الإرادة شاهدا لما بيناه فالصحيح أن يقال لو كانت قائمة لا في محل لم يخل إما أن تكون حادثة أو قديمة فإن كانت حادثة فأما أن تكون باعتبار ذاتها واجبة أو ممكنة لا جائز أن تكون واجبة وإلا لما كانت معدومة وإن كانت ممكنة فإما أن تفتقر إلى مخصص آخر أو لا تفتقر لا جائز أن يقال بالاول وإلا أفضى إلى التسلسل وهو محال ولا جائز أن يقال بالثانى وإلا لما وجدت إذ لا مميز لها على ما يخصص بها من حيث هي ممكنة وما نخصص بها إنما كان مفتقرا إليها من حيث هو ممكن لا من حيث إنه ذات مخصوصة وحقيقة معينة .
فإن قيل المخصص لا يستدعي مخصصا وإن كان حادثا كما في الشاهد فإن من وجد له إرادة لا تستدعي تلك الإرادة أخرى وإلا أفضى إلى التسلسل وأن لا يتم لأحد إراداة الا مع وجود إرادات لا تتناهى وذلك مما يحس من النفس بطلانه وربما مهدوا ذلك بأمثلة أخرى مثل التمنى والشهوة ونحو ذلك .
قلنا أما القول بأن المخصص لا يستدعى مخصصا فهو دعوى مجردة من غير دليل كيف وقد بينا وجه الاحتياج والافتقار مما لا سبيل إلى أنكاره وما قيل من أن الإرادة في الشاهد لا تفتقر إلى إرادة فغلط بل لا بد لها من مخصص من جهة كونها ممكنة وحادثة