ثم إن من قاس الغائب على الشاهد ههنا فهو يعترف بأنه ليس في الشاهد فاعل موجد على الحقيقة بل الموجود في حقه ليس إلا الاكتساب بخلاف ما في الغائب فإذا ما وجد في الشاهد لم يوجد في الغائب وما وجد في الغائب لم يوجد في الشاهد فأنى يصح القياس .
وأما القول بأنه إذا ثبت هذه الأحكام فهى معلله بالصفات كما في الشاهد فقد قيل في إبطاله إن هذه الاحكام واجبة للبارى وكل ما وجب فإنه لا يفتقر إلى ما يعلل به وهذا كما في الشاهد فإن التحيز للجوهر وقبوله للعرض لما كان واجبا لم يفتقر إلى علة وإنما المفتقر الى العلة ما كان في نفسه جائزا غير واجب وذلك مثل كون العالم عالما في الشاهد ومثل وجود الحادث ونحوه .
وهذا غير صحيح فإنه إن أريد بكونها واجبة للبارى تعالى أنها لا تفتقر إلى علة فهو عين المصادرة على المطلوب وإن اريد به انه لا بد منها لواجب الوجود فذلك مما لا ينافى التعليل بالصفة والقول بأن التحيز للجوهر وقبوله للعرض لما كان واجبا لم يفتقر إلى علة فهو مبنى على فاسد اصول المعتزلة في قولهم إن هذه توابع الحدوث وتوابع الحدوث مما لا يدخل تحت القدرة ولا ينسب إلى فعل فاعل وليس الرأي الصحيح عند أهل الحق هكذا بل كل ما يتخيل في الأذهان ويخطر في الاوهام مما له وجود أصليا كان أو تابعا فهو مقدور له تعالى ومخلوق له ومنتسب في وجوده إليه وليس شئ مما يفرض في الشاهد واجبا بنفسه اللهم إلا أن يعنى بكونه واجبا أنه لازم لما هو ثابت له على وجه لا تقع المفارقة له أصلا لكن الواجب بهذا الاعتبار غير ممتنع أن يكون معللا كما سبق .
فإن قيل هذه الامور اللازمة وان كانت مفتقرة إلى فاعل مرجح لكنها لا تفتقر إلى صفة قائمة بمحلها تكون علة لها كما في افتقار العالمية في الشاهد إلى صفة العلم