العالم لا محالة على غاية من الحكمة والاتقان وهو مع ذلك جائز وجوده وجائز عدمه فما خصصه بالوجود يجب أن يكون مريدا له قادر عليه عالما به كما وقع به الاستقراء في الشاهد فإن من لم يكن قادرا لم يصح منه صدور شئ عنه ومن لم يكن عالما وإن كان قادرا لم يكن ما صدر عنه على نظام الحكمة والاتقان ومن لم يكن مريدا لم يكن تخصيص بعض الجائزات عنه باحوال وأوقات دون البعض بأولى من العكس إذ نسبتها إليه نسبة واحده قالوا .
وإذا ثبت كونه قادرا مريدا عالما وجب أن يكون حيا إذ الحياة شرط هذه الصفات على ما عرف في الشاهد أيضا وما كان له في وجوده أو في عدمه شرط لا يختلف شاهدا ولا غائبا ويلزم من كونه حيا أن يكون سميعا بصيرا متكلما فإن من لم تثبت له هذه الصفات من الأشياء فإنه لا محالة متصف بأضدادها كالعمى والطرش والخرس على ما عرف في الشاهد أيضا والبارى تعالى يتقدس عن أن يتصف بما يوجب في ذاته نقصا .
قالوا فإذا ثبتت هذه الأحكام فهي لا محالة في الشاهد معللة بالصفات فالعلم علة كون العالم عالما والقدرة علة كون القادر قادرا إلى غير ذلك من الصفات والعلة لا تختلف شاهدا ولا غائبا أيضا .
واعلم أن هذا المسلك ضعيف جدا فإن حاصله يرجع إلى الاستقراء في الشاهد والحكم على الغائب بما حكم به على الشاهد وذلك فاسد .
وقبل النظر في تحقيقه يجب أن نقدم قاعدة في تحقيق معنى الاستقراء وبيان الصادق منه والكاذب أما الاستقراء فهو عبارة عن البحث والنظر في جزئيات كلى ما عن مطلوب ما وهو لا محالة ينقسم إلى ما يكون الاستقراء فيه تاما أي قد أتى فيه على جميع الجزئيات وذلك مثل معرفتنا بالاستقراء أن كل حادث فهو إما جماد أو نبات