وعلى هذا يندفع ما ذكروه من البداء والندم فإن ذلك إنما يكون أن لو انكشف له فى ثانى الحال ما أوجب له المنع عن الفعل والنهى عنه ولم يكن قد حصل ذلك له أولا ومن استعمل من الأصحاب لفظ الرفع فى النسخ فليس المعنى به غير قطع استمرار ما كان له من القوة والاستحكام وأن يبقى لولا الناسخ وذلك على وزان قطع حكم عقد البيع المطلق المستحكم بالنسبة إلى الفسخ وهذا ليس برفع لما وجد ولا لما لم يوجد ولا معنى للنسخ عند الإطلاق به إلا هذا فقد بطل إذا ما تخيلوه وفسد ما توهموه .
ولا يتوهمن إضافة قطع الاستمرار إلى الكلام الذى هو صفة الرب الكريم فإن العدم عليه مستحيل بل المراد إنما هو قطع تعلقه بالمكلف وكف الخطاب عنه وذلك غير مستحيل .
وأما العيسوية فيمتنع عليهم بعد التسليم بصحة رسالته وصدقه فى دعوته إلا الإذعان لكلمته إذ لا سبيل إلى القول بتخصيص بعثته إلى العرب دون غيرها من الأمم مع ما اشتهر عنه وعلم بالضرورة والنقل المتواتر من دعوته إلى كلمته طوائف الجبابرة وغيرهم من الاكاسرة وتنفيذه إلى أقاصى البلاد وملوك العباد وقتال من عانده ونزال من جاحده ثم ذلك معتمد على سند الصدر الأول من المسلمين