فإن إظهاره لهم عند دعوته لا ينزل فى نظر العقلاء منزلة التصديق وهذا بخلافه إذ لم يكن ظهوره لهم على يده إلا مقارنا لدعوته ومن نظر فيما قررناه بالتحقيق اندفع عنه خيال اشتراط عدم سبق المعجزة مطلقا فى تنزيله منزلة التصديق .
وما أشير اليه من إلزام إفحام الرسل فإنما يلزم أن لو قيل بوجوب الإمهال فى النظر والاعتبار بالعبر وهو إنما يلزم المعتزلة حيث اعترفوا بوجوب الامهال عند الاستمهال ولا محيص لهم عنه فأما على رأى أهل الحق فلا وأنى يجب ذلك على من ظهر صدقه فى مقالته بالدلالات الواضحة والمعجزات الائحة لا سيما وهو متصد للدعوة الشامخة والكلمة الباذخة وما فيها من صلاح نظام الخلق والإرشاد إلى السبيل الحق الذى به يكون معاشهم فى الدنيا وحصول سعادتهم فى الأخرى وإنما ذلك مبنى على فاسد أصول الخصوم فى التحسين والتقبيح وقد أبطلناه بل ولو وقع الإلزام على أصلهم بقبح التأخر والإمهال فى النظر حيث لم يرشدهم إلى المصالح ويحذرهم من المهالك ويعرفهم طريق السعادة ليسلكوها ومفاوز المخافة ليرهبوها بعد ما ظهر صدقه واتضحت كلمته بالمعجزات القاطعة والبراهين الساطعة لم يجدوا إلى دفع ذلك سبيلا .
كيف وأن ما يجب النظر لأجله فالنبى قائم بصدده ومتكفل بأوده من تعريف ذات البارى وصفاته وما يتعلق بأحكام الدنيا والأخرى ولهذا إذا فحص عن أحوال الأنبياء والمرسلين وجدناهم فى الدعوة إلى الله تعالى و إلى معرفة وحدانيته سابقين ولذلك على دعوى النبوة مقدمين .
وعند ذلك فليس طلب الإمهال مع ما ظهر من صدق الرسول ودعوته إلى ما فيه صلاح نظام المدعو مع إمكان وقوع الهلكة على تقدير التأخر إلا كما لو قال الوالد لولده مع ما عرف من شفقته وحنوه ورأفته إن بين يديك فى هذا الطريق سبعا