وأهم المطالب وأسنى المراتب من الأمور العملية والعلمية ما كان محصلا للسعادة الأبدية وكمالا للنفس الناطقة الإنسانية وهو اطلاعها على المعلومات وإحاطتها بالمعقولاوت لما كانت المطلوبات متعددة والمعلومات متكثرة وكل منها فهو عارض لموضوع علم يستفاد منه وتستنبط معرفته عنه كان الواجب الجزم واللازم الحتم على كل ذي عزم البداية بتقديم النظر في الأشرف الأجل والأسنى منها في الرتبة والمحل .
وأشرف العلوم إنما هو العلم الملقب بعلم الكلام الباحث عن ذات واجب الوجود وصفاته وأفعاله ومتعلقاته إذ شرف كل علم إنما هو تابع لشرف موضوعه الباحث عن أحواله العارضة لذاته ولا محالة أن شرف موضوع هذا العلم يزيد على شرف كل موضوع ويتقاصر عن حلول ذراه كل موجود مصنوع إذ هو مبدأ الكائنات ومنشأ الحادثات وهو بذاته مستغن عن الحقائق والذوات مبرأ في وجوده عن الاحتياج إلى العلل والمعلولات كيف والعلم به أصل الشرائع والديانات ومرجع النواميس الدينيات ومستند صلاح نظام المخلوقات .
فلا جرم سرحت عنان النظر وأطلقت جواد الفكر في مسارح ساحاته ومطارح غاياته وطرقت أبكار أسراره ووقفت منه على أغواره فلم تبق غمة ألا ورفعتها ولا ظلمة إلا وقشعتها حتى تمهد سراحه واتسع براحه فكنت بصدد جنى ثمراته والتلذذ بحلواته