ان الواحد لا يصدر عنه إلا واحد وألا فلو صدر عنه اثنان لم يخل إما ان يتماثلا من كل وجه او يختلفا من كل وجه أو يتماثلا من وجه ويختلف من وجه فان تماثلا من كل وجه فهما شئ واحد ولا تعدد ولا كثرة وان اختلفا من كل وجه أو من وجه دون وجه فهما في الجملة مختلفان وإذ ذاك فصدورهما عما هو واحد من كل وجه ممتنع لأن صدورهما عنه إما أن يكون باعتبار جهة واحدة أو باعتبار جهتين لا جائز ان يقال بالأول إذ الاختلاف مع اتحاد الموجب محال ولا جائز أن يقال بالثانى والا فالجهات إما خارجة عن ذاته او هى له في ذاته فإن كانت خارجة عن ذاته فالكلام فيها كالكلام في الأول وذلك يفضى إلى التسلسل أو الدور وكلاهما محالان وان كانت لذاته وفي ذاته فممتنع إذ هو واحد من كل وجه فلم يبق وإلا أن يكون الصادر عنه واحدا لا تعدد فيه ولا كثرة .
ولا يجوز ان يكون ذلك الواحد مادة ولا صورة مادة إذ كل واحدة لا وجود لها دون الأخرى فإنا لو قدرنا وجود كل واحدة دون الأخرى لم تخل اما أن تكون متحدة أو متكثرة فان كانت متحدة فهى لذاتها وما اتحد منهما لذاته فالكثرة عليه مستحيلة والمواد والصور متكثرة وإن كانت متكثرة فتكثر كل واحدة مع قطع النظر عن الأخرى محال كيف وإنه يلزم أن يكون التكثر لذاتها ويلزم ان لا تتحد والوحدة عليها جائزة فإذا لا وجود لكل واحدة إلا بالأخرى ويمتنع ان تكون إحداهما عله للأخرى إذ العلة وان كانت مع معلولها في الوجود فلا بد وان تكون متقدمة عليه بالذات وليس ولا واحدة من المادة والصورة متقدمة على الأخرى بالذات ولا بد ان تكونا مستندين إلى موجود خارج عنهما وذلك الخارج لا يجوز ان يكون متعددا وإلا أفضى إلى اجتماع الإلهين ولا جائز أن يكون متحدا لما سبق .
وكما لا يجوز ان يكون مادة ولا صورة مادة فكذا لا يجوز أن يكون نفسا فإن النفس وان لم يكن وجودها ماديا فليس إلا مع المادة وإلا فلو كان لها وجود قبل مادة بدنها لم يخل إما أن تكون متحدة أو متكثرة لا جائز ان تكون متحدة وإلا فعند وجود الأبدان المتعددة إما أن تنقسم وهو محال إذ المتحد لا ينقسم واما ان تكون النفس الواحدة لأبدان متعددة وهو ممتنع أيضا وإلا لاتحد الناس بأسرهم