قولهم اجعل لنا إلها كيف وقد وقع ردعهم وزجرهم عن مثل ذلك السؤال بأخذ الصاعقة لهم والعذاب الأليم عقيبه كما قال تعالى فأخذتهم الصاعقة وهو ينظرون وليس في أخذ الصاعقة لهم ما يدل على امتناع ما طلبوه بل لأنهم طلبوا ذلك في معرض التشكيك في نبوة موسى وقصدوا إعجازه عن ذلك فأنكر الله ذلك منهم كما انكر قولهم لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا وقولهم أنزل علينا كتابا من السماء لا لأن ذلك مستحيل بل بالنظر إلى ما قصد بالسؤال ههنا ثم الآية بظاهرها تدل على أن السؤال لم يكن إلا لموسى عليه السلام بقوله أرنى وقوله تعالى لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى ولو كان المقصود من ذلك دفع قومه عن سؤال الرؤية لم ينتهض دفع موسى عن الرؤية شبهة في دفع قومه .
وأما حمل الطلب على المعرفة بالله فأبعد من الأول أيضا من جهة أن لفظ النظر إذا أطلق فالمفهوم منه ظاهرا ليس إلا النظر بالعين ثم إن موسى عليه السلام لم يكن جاهلا بربه ولا غير عارف به وإلا لما صح كونه نبيا فحمل الرؤية على التعريف لما قد عرفه يكون من عبث الكلام وسمجه ولا يجوز أن ينسب مثل ذلك إلى جاهل غبى فضلا عن نبى صفى .
لكن قد يتخيل من لن ترانى ما يدرأ القول بالجواز وهو بعيد فإنا سنبين أن ذلك لم يكن منعا له إلا في الدنيا وان قيل إن ذلك للتأبيد فليس منه ما يدل على نفى