وهذا مما يلزمكم فيه المناقضة في أحد أمرين إما في القول بإيجاب المعرفة بالعقل وإما في القول بأن المعرفة مناطة بالرسول كيف وأن الرسول على الحقيقة ليس إلا المبلغ لكلام الغير كما حققناه سالفا فلو لم يكن للبارى تعالى كلام غير كلام الرسول هو مدلول كلام الرسول وكلام الرسول عبارة عنه لم يكن بذلك رسولا كما تقرر .
وهذه المحالات كلها إنما لزمت من القول بأن المتكلم من فعل الكلام لا من قام به الكلام فقد بطل ما تخيلوه وانقطع دابر ما توهموه وظهر كون البارى متكلما بكلام قائم بذاته مختصا به كاختصاصه بباقى صفاته .
ويلزم من ذلك أن يكون قديما أزليا وإلا كان البارى تعالى محلا للحوادث وقد أبطلناه .
وما قيل من أنه يلزم منه الكذب فيما يتضمنه من الأخبار فحاصله يرجع إلى محض التشنيع ومجرد التهول وعند التحقيق تظهر مجانبته للذوق والتحصيل ولئن سلكنا ما ذكره بعض الأصحاب من ان الكلام قضية واحدة ولا يتصف بكونه أمرا ونهيا وخبرا واستخبار إلا عند وجود المخاطب واستكماله شرائط الخطاب زال الشغب واندفع الإشكال ولئن توسعنا إلى ما سلكه الإمام ابو الحسن الأشعرى C من أنه متصف فيما لم يزل بكونه امرا ونهيا وخبرا إلى غير ذلك فغير بعيد أن يكون في نفسه معنى واحدا