الحكمة والفعل المخلوق قبيح من فاعله لما عليه فيه من المضرة كما أن أمر الوالي بعقوبة الظالم يسر الوالي لما فيه من الحكمة وهو إظهار عدله وأمره بالعدل وذلك يضر المعاقب لما عليه فيه من الألم هذا ومثل هذه الأمثال ليست مثل فعل الله تعالى فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وقياس أفعال الله على أفعال العباد خطأ ظاهر وإنما هذا تقريب للعقول والمثل لفضل الرب من كل وجه لا يمكن في حق المخلوق فإن الله ليس كمثله شيء وقد سئل بعض الشيوخ عن أمثال هذه المسائل فأنشد .
ويقبح من سواك الفعل عندي ... فتفعله فيحسن منك ذاكا قيل ومما يبين هذا أن جهة خلق الله وتقديره غير جهة أمره وتشريعه فإن أمره وتشريعه مقصود به بيان ما ينفع العباد إذا فعلوه وما يضرهم إذا ارتكبوه بمنزلة أمر الطبيب ونهيه للمريض بما ينفعه ويضره فأخبر الله تعالى على ألسنة رسله بمصير السعداء والأشقياء وأمر بما يوصل الى السعادة ونهى عما يوصل الى الشقاوة وخلقه وتقديره يتعلق بذلك وبجملة المخلوقات فهو تعالى يفعل ما له فيه حكمة متعلقة بعموم خلقه وإن كان في ضمن ذلك مضرة لبعض الناس كما أنه تعالى ينزل المطر لما فيه من الحكمة والرحمة والنعمة العامة وإن كان في ضمن ذلك تضرر بعض الناس بسقوط منزله وانقطاعه بسفره وتعطيل معاشه وكذلك إرسال محمد رحمة للعاملين وإن كان في ضمن ذلك سقوط رئاسة أقوام وشقاوتهم فإذا قدر سبحانه على الكافر كفره قدره لما له في ذلك من الحكمة والمصلحة العامة وعاقبة لاستحقاقه بفعله الاختياري وبالجملة فعقوبته تعالى للعصاة عدل منه باتفاق المسلمين وعفوه ومغفرته إحسان منه وفضل وهذا يقول به من يقول أن الله خالق أفعال العباد ومن يقول إنهم هم الخالقون لها ومن يقول إنها أفعال له كسب لهم قلت لكن هنا إشكالات واردة على طريقة أهل التعليل لم أر من تعرض لها