وقال العلامة ابن القيم بعد تقريره نفع الدعاء والأمر به ودفعه للبلاء وقد أعترض قوم بأن المدعو به إن كان قد قدر لم يكن بد من وقوعه دعا به العبد أو لم يدع لأن كل مقدر كائن كما دلت عليه الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة وإن لم يكن قدر لم يقع سأله العبد أو لم يسأله فظنت طائفة صحة هذا الكلام فتركت الدعاء وقالوا لا فائدة فيه قال وهؤلاء مع فرط جهلهم وضلالتهم متناقضون فإن مذهبهم يوجب تعطيل جميع الأسباب فيقال لأحدهم إن كان الشبع والري قد قدرا لك فلابد من وقوعهما أكلت أو لم تأكل شربت أو لم تشرب فلا حاجة للأكل والشرب وإن كان الولد قد قدر لك فلا بد منه وطئت الزوجة والأمة أو لم تطأ وأن لم يقدر لم يكن فلا حاجة للتزويج والتسري فهل يقول هذا عاقل أو آدمي بل الحيوان إليهم مفطور على مباشرة الأسباب التي بها قوامه ونفعه و أجتناب التي بها ضرره فالحيوان أعقل وأفهم من هؤلاء الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا قال وعلى هذا فالدعاء من أقوى الأسباب فإذا قدر وقوع المدعو به الدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء كما لا يقال لا فائدة في الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال .
قال ابن تيمية والناس قد اختلفوا في الدعاء المستعقب بقضاء الحاجات فزعم قوم من المبطلين متفلسفة ومتصوفة أنه لا فائدة فيه أصلا فإن المشيئة الإلهية والأسباب العلوية إما أن تكون قد أقتضت وجود المطلوب وحينئذ فلا حاجة إلى الدعاء أو لا تكون اقتضته حينئذ فلا ينفع الدعاء وقال قوم ممن يتكلم في العلم بل الدعاء علامة ودلالة على حصول المطلوب وجعلوا ارتباطه بالمطلوب ارتباط الدليل بالمدلول لا ارتباط السبب بالمسبب قال والصواب ما عليه الجمهور في أن الدعاء سبب لحصول الخير المطلوب كسائر الأسباب المقدرة والمشروعة وإذا أراد الله بعبد خير ألهمه دعاءه والاستعانة به وجعل استعانته ودعاءه سببا للخير الذي قضاه له كما أن الله تعالى إذا أراد أن يشبع عبد أو يرويه ألهمه أن يأكل