بمكة ولد يتيما توفى والده قبل أن يولد ولم يترك له من المال إلا خمس جمال وبعض نعاج وجارية ويروى أقل من ذلك وفى السنة السادسة من عمره فقد والدته أيضا فاحتضنه جده عبد المطلب وبعد سنتين من كفالته توفى جده فكفله من بعده عمه أبو طالب وكان شهما كريما غير أنه كان من الفقر بحيث لا يملك كفاف أهله وكانمن بنى عمه وصبية قومه كأحدهم على ما به من يتم فقد فيه الأبوين معا وفقر لم يسلم منه الكافل والمكفول ولم يقم على تربيته مهذب ولم يعن بتثقيفه مؤدب بين أتراب من نبت الجاهلية وعشراء من حلفاء الوثنية واولياء من عبدة الأوهام وأقرباء من حفدة الأصنام غير أنه مع ذلك كان ينمو ويتكامل بدنا وعقلا وفضيلة وأدبا حتى عرف بين أهل مكة وهو فى ريعان شبابه بالأمين أدب إلهى لم تجر العادة بأن تزين به نفوس الأيتام من الفقراء خصوصا مع فقر القوام فاكتهل والقوم ناقصون رفيعا والناس منحطون موحدا وهم وثنيون سلما وهم شاغبون صحيح الاعتقاد وهم واهمون مطبوعا على الخير وهم به جاهلون وعن سبيله عادلون .
من السنن المعروفة أن يتيما فقيرا أميا مثله تنطبع نفسه بما تراه من أول نشأته إلى زمن كهولته ويتأثر عقله بما يسمعه ممن يخالطه لا سيما إن كان من ذوى قرابته وأهل عصبته ولاكتاب يرشده ولا استأذ ينبهه ولا عضد إذا عزم يؤيده فلو جرى الأمر فيه على جارى السنن لنشأ على عقائدهم وأخذ بمذاهبهم إلى أن يبلغ مبلغ الرجال ويكون للفكر والنظر مجال فيرجع إلى مخالفتهم إذا قام له الدليل على خلاف ضلالاتهم كما فعل القليل ممن كانوا على عهده ولكن الأمر لم يجر على سنته بل بغضت إليه الوثنية من مبدأ عمره فعالجته طهارة العقيدة كما بادره حسن الخليقة وما جاء فى الكتاب من قوله ووجدك ضالا فهدى لا يفهم منه أنه كان على وثنية قبل الاهتداء إلى التوحيد أو على غير السبيل القويم قبل الخلق العظيم حاش لله إن ذلك لهو الإفك المبين وإنما هى الحيرة تلم بقلوب أهل الإخلاص فيما يرجون للناس من الخلاص وطلب السبيل إلى ما هدوا إليه من إنقاذ الهالكين وإرشاد الضالين وقد هدى الله نبيه