وكان من العاملين في تلك الفتنة عبد الله بن سبأ يهودى أسلم وغلا في حب على كرم الله وجهه حتى زعم أن الله حل فيه وأخذ يدعو إلى أنه الأحق بالخلافة وطعن على عثمان فنفاه فذهب إلى البصرة وبث فيها فتنته فأخرج منها فذهب إلى الكوفة ونفث ما نفث من سم الفتنة فنفى منها فذهب إلى الشام فلم يجد فيها ما يريد فذهب إلى مصر فوجد فيها أعوانا على فتنته إلى أن كان ما كان مما ذكرناه ثم ظهر بمذهبه فى عهد على فنفاه إلى المدائن وكان رأيه جرثومة لما حدث من مذاهب الغلاة من بعده .
توالت الأحداث بعد ذلك ونقض بعض المبايعين للخليفة الرابع ما عقدوا وكانت حروب بين المسلمين انتهى فيها أمر السلطان إلى الأمويين غير أن بناء الجماعة قد انصدع وانفصمت عرى الوحدة بينهم وتفرقت بهم المذاهب في الخلافة وأخذت الأحزاب في تأييد آرائهم كل ينصر رأيه على رأى خصمه بالقول والعمل وكانت نشأة الاختراع في الرواية والتأويل وغلا كل قبيل فافترق الناس إلى شيعة وخوارج ومعتدلين وغلا الخوارج فكفروا من عداهم ثم استمر عنادهم وطلبهم لحكومة أشبه بالجمهورية وتكفيرهم لمن خالفهم زمنا طويلا إلى أن اتضعضع أمرهم بعد حروب أكلت كثيرا من المسلمين وانتشرت فأرتهم في أطراف البلاد ولم يكفوا عن شعال الفتن وبقيت منهم بقية إلى اليوم في أطراف أفريقيا وناحية من جزيرة العرب وغلا بعض الشيعة فرفعوا عليا أو بعض ذريته إلى مقام الألوهية أو ما يقرب منه وتبع ذلك خلاف في كثير من العقائد .
غير أن شيئا من ذلك لم يقف في سبيل الدعوة الإسلامية ولم يحجب ضياء القرآن عن الأطراف المتسائية عن مثار النزاع وكان الناس يدخلون فيه أفواجا من الفرس والسوريين ومن جاورهم والمصريين والإفريقيين ومن يليهم واستراح جمهور عظيم من العمل في الدفاع عن سلطان الإسلام وآن لهم أن يشتغلوا في اصول العقائد والأحكام بما هداهم إليه سير القرآن اشتغالا بحرص فيه على النقل ولا يهمل فيه اعتبار العقل ولا يغض فيه من نظر الفكر