إلى أنهم ليسو بأبعدعن البشرية من الرؤساء الظالمين والهداة الضالين والقادة الغارين وبالجملة تؤوب بهم إلى رشد يقيم الإنسان على الطريق التى سنها الله له إنا هديناه السبيل ليبلغ بسلوكها كماله ويصل على نهجها إلى ما أعد فى الدارين له ولكنا نستعير من التاريخ كلمة يفهمها من نظر فيما أتفق عليه مؤرخو ذلك العهد نظر إمعان وإنصاف .
كانت دولتا العالم دولة الفرس فى الشرق ودولة الرومان فى الغرب فى تنازع وتجالد مستمر دماء بين العالمين مسفوكة وقوى منهوكة وأموال هالكة وظلم من الأحن حالكة ومع ذلك فقد كان الزهو والترف والإسراف والفخفخة والتفنن فى الملاذ بالغة حد مالا يوصف فى قصور السلاطين والأمراء والقواد ورؤساء الأديان من كل أمة وكان شره هذه الطبقة من الأمم لا يقف عند حد فزادوا فى الضرائب وبالغوا فى فرض الأتاوات حتى أثقلوا ظهور الرعية بمطالبهم وأتوا على ما فى أيديها من ثمرات أعمالها وانحصر سلطان القوى فى اختطاف ما بيد الضعيف وفكر العاقل فى الاحتيال لسلب الغافل وتبع ذلك أن استولى على تلك الشعوب ضروب من الفقر والذل والاستكانة والخوف والاضطراب لفقد الأمن على الأرواح والأموال .
غمرت مشيئة الرؤساء إرادة من دونهم فعاد هؤلاء كأشياح اللاعب يديرها من وراء حجاب ويظنها الناظر إليها من ذوى الألباب ففقد بذلك الاستقلال الشخصى وظن أفراد الرعايا أنهم لم يخلقوا إلا لخدمة ساداتهم وتوفير لذاتهم كما هو الشأن فى العجماوات مع من يقتنيها ضلت السادات فى عقائدها وأهوائها وغلبتها على الحق والعدل شهواتها ولكن بقى لها من قوة الفكر أردا بقاياها فلم يفارقها الحذر من أن بصيص النور الإلهى الذى يخالط الفطر الإنسانية قد يفتق الغلف التى أحاطت بالقلوب ويمزق الحجب التى أسدلت على العقول فتهتدى العامة إلى السبيل ويثور الجم الغفير على العدد القليل ولذلك لم يغفل الملوك والرؤساء أن ينشئوا سحبا من الأوهام ويهيئوا كسفا من الأباطيل والخرافات ليقذفوا بها فى عقول العامة فيغلظ الحجاب ويعظم الرين ويختنق بذلك نور