من كل ما يشوه السيرة البشرية وسلامة أبدانهم مما تنبوا عنه الابصار وتنفر منه الأذواق السليمة وأنهم منزهون عما يضاد شيئا من هذه الصفات المتقدمة وأن أرواحهم ممدودة من الجلال الإلهى بما لا يمكن معه لنفس إنسانية أن تسطو عليها سطوة روحانية اما فيما عدا ذلك فهم بشر يعتريهم ما يعترى سائر أفراده يأكلون ويشربون وينامون ويسهون وينسون فيما لا علاقة له بتبليغ الأحكام ويمرضون وتمتد إليهم أيدى الظلمة وينالهم الاضطهاد وقد يقتلون .
المعجزة ليست من نوع المستحيل عقلا فإن مخالفة السير الطبيعى المعروف فى الإيجاد مما لم يقم دليل على استحالته بل ذلك مما يقع كما يشاهد فى حال المريض يمتنع عن الأكل مدة لو لم يأكل فيها وهو صحيح لمات مع وجود العلة التى تزيد الضعف وتساعد الجوع على الإتلاف فإن قيل إن ذلك لا بد أن يكون تابعا لناموس آخر طبيعى قلنا إن واضع الناموس هو موجد الكائنات فليس من المحال عليه أن يضع نواميس خاصة بخوارق العادات غاية ما فى الأمر أننا لا نعرفها ولكنا نرى أثرها على يد من اختصه الله بفضل من عنده على أننا بعد الاعتقاد بأن صانع الكون قادر مختار يسهل علينا العلم بأنه لا يمتنع عليه أن يحدث الحادث على أى هيئة وتابعا لأى سبب إذا سبق فى علمه أنه يحدثه كذلك .
المعجزة لا بد أن تكون مقرونة بالتحدى عند دعوى النبوة وظهورها من البراهين المثبتة لنبوة من ظهرت على يده لأن النبى يستند إليها فى دعواه أنه مبلغ عن الله فاصدار الله لها عند ذلك يعد تأييدا منه له في تلك الدعوى ومن المحال على الله أن يؤيد الكاذب فإن تأييد الكاذب تصديق له وتصدق الكاذب كذب وهو محال على الله فمتى ظهرت المعجزة وهى مما لا يقدر عليه البشر وقارن ظهورها دعوى النبوة علم بالضرورة أن الله ما أظهرها إلا تصديقا لمن ظهرت على يده وإن كان هذا العلم قد يقارنه الانكار مكابرة .
وأما السحر وأمثاله فإن سلم أن مظاهره فائقة عن آثار الأجسام والجسمانيات فهى لا تعلو عن متناول القوى الممكنة فلا يقارب المعجزة فى شىء