يعرف ولا أن يفهم من الحياة الآخرة ما ينبغى أن يفهم ولا أن يقرر لكل نوع من الأعمال جزاءه فى تلك الدار الآخرة وإنما قد تيسر ذلك لقليل ممن اختصه الله بكمال العقل ونور البصيرة وإن لم ينل شرف الاقتداء بهدى نبوى ولو بلغه لكان أسرع الناس إلى اتباعه وهؤلاء ربما يصلون بأفكارهم إلى العرفان من وجه غير ما يليق فى الحقيقة أن ينظر منه إلى الجلال الإلهي .
ثم من أحوال الحياة الأخرى مالا يمكن لعقل بشرى أن يصل إليه وحده وهو تفصيل اللذائذ والآلام وطرق المحاسبة على الأعمال ولو بوجه ما ومن الأعمال مالا يمكن أن يعرف وجه الفائدة فيه لا فى هذه الحياة ولا فيما بعدها كصور العبادات كما يرى فى أعداد الركعات وبعض الأعمال في الحج فى الديانة الإسلامية وكبعض الاحتفالات فى الديانة الموسوية وضروب التوسل والزهادة فى الديانة العيسوية كل ذلك مما لا يمكن للعقل البشرى أن يستقل بمعرفة وجه الفائدة فيه ويعلم الله أن فيه سعادته .
لهذا كله كان العقل الإنسانى محتاجا فى قيادة القوى الإدراكية والبدنية إلى ما هو خير له فى الحياتين إلى معين يستعين به فى تحديد أحكام الأعمال وتعيين الوجه فى الاعتقاد بصفات الألوهية ومعرفة ما ينبغى أن يعرف من أحوال الآخرة وبالجملة فى وسائل السعادة فى الدنيا والآخرة ولا يكون لهذا المعين سلطان على نفسه حتى يكون من بنى جنسه ليفهم منه أو عنه ما يقول وحتى يكون ممتازا على سائر الأفراد بأمر فائق على ما عرف فى العادة وما عرف فى سنة الخليقة ويكون بذلك مبرهنا على أنه يتكلم عن الله الذى يعلم مصالح العباد على ما هى عليه ويعلم صفاته الكمالية وما ينبغى أن يعرف منها والحياة الآخرة وما أعد فيها فيكون الفهم عنه والثقة بأنه يتكلم عن العليم الخبير معينا للعقل على ضبط ما تشتت عليه أو درك ما ضعف عن إدراكه وذلك المعين هو النبى .
النبوة تحدد ما ينبغى أن يلحظ فى جانب واجب الوجود من الصفات وما يحتاج إليه البشر كافة من ذلك وتشير إلى خاصتهم بما يمكن لهم أن يفضلوا