إلى الحد الذى نراه عليه الآن وإن اختلفت الأذواق ففى الأشياء جمال وقبح .
هذا فى المحسوسات واضح كما سبق ولعله لا ينزل عن تلك الدرجة فى الوضوح مالم به العقل من الموجودات المعقولة وإن اختلف اعتبار الجمال فيها فالكمال فى المعقولات كالوجود الواجب والأرواح اللطيفة وصفات النفوس البشرية له جمال تشعر به أنفس عارفيه وتنبهر له بصائر لاحظية وللقص قبح لا تنكره المدارك العالية وإن اختلف أثر الشعور ببعض أطواره فى الوجدان عن اثر الإحساس بالقبيح فى المحسوسات وهل فى الناس من ينكر قبح النقص فى العقل أو السقوط فى الهمة وضعف العزيمة ويكفى أن أرباب هذه النقائص المعنوية يجاهدون فى إخفائها ويفخرون أحيانا بأنهم متصفون بأضدادها .
وقد يجمل القبح بجمال أثره ويقبح الجميل بقبح ما يقترن به فالمر قبيح مستشبع ولذلك الدميم المشوه ألخلقه ينبو عنه النظر لكن أثر المر فى معالجة المرض وعدل الدميم فى رعيته أو إحسانه إليك فى خاصة نفسك يغير من حالتك النفسة عند حضور صورته فإن جمال الأثر يلقى على صاحبه أشعة من بهائه فلا يشعر الوجدان منه إلا بالجميل ومثل ذلك يقال فى قبح الحلو إذا أضر واشمئزاز النفس من الجميل إذا ظلم وأصر .
هل يمكن لعاقل أن لا يقول فى الأفعال الأختيارية كما قال فى الموجودات الكونية مع أنها نوع منها وتقع تحت حواسنا ومداركنا العقلية إما بنفسها وإما بآثرها وتنفعل بما يلم بها منها كما تنفعل بما يرد عليها من صور الكائنات كلا بل هى قسم من الموجودات حكمها فى ذلك حكم سائرها بالبداهة .
فمن الأفعال الاختيارية ما هو معجب فى نفسه تجد النفس منه ما تجد من جمال الخلق كالحركات العسكرية المنتظمة وتقلب المهرة من اللاعبين فى الألاعيب المعروفة اليوم وبالجمتاستيك كإيقاع النغمات على القوانين الموسيقية من العازف بها ومنها ما هو قبيح فى نفسه يحس منه ما يحس من رؤية الخلق المشوه كتخبط ضعفاء النفوس عند الجزع وكولولة النائحات ونقع المذعورين